تعمل وسائل الإعلام، على تنوير الرأي العام، من خلال تحري الحقائق ونقلها له عبر مختلف الوسائط، ومع وجود عدة ضوابط تحكم الحرية المطلقة للصحافة، بات من الصعب التمييز بين «الدعاية والخبر»، خاصة عندما يتعلّق الأمر بقضايا معقدة تتضارب فيها المصالح.
يقوم العمل الصحفي على نشر الأخبار والوقائع استنادا إلى مصادر مؤكدة، أو المعاينة الميدانية للصحفيين، كشروط أساسية لمصداقية المادة الإعلامية الموجهة للجمهور في مختلف المجالات.
ويعتبر «الحياد» ركيزة كل مؤسسة إعلامية تهدف لصناعة صورتها «المحترمة والنزيهة»، لدى الرأي العام، وعربون الثقة الذي يؤهلها لتكون عين المجتمع ووسيطه مع السلطة وأداءها الموجه للداخل والخارج.
ومع وجود ضوابط قانونية وعرفية تحدّ من الحرية المطلقة للعمل الصحفي، على غرار السياسة الخارجية، الدفاع الوطني، سرية التحقيقات القضائية، قيم المجتمع والمصالح الاقتصادية، بات ما تنتجه وسائل الإعلام من رسائل أقرب إلى الدعاية منها إلى الخبر.
ومن خلال المواقف المتخذة في افتتاحيات ومقالات الرأي وحتى تقارير إخبارية تصاغ وفق خطاب إعلامي دقيق، باتت وسائل الإعلام تساير توجهات تيار معين أو دولة أو لوبيات دولية نافذة، ونادرا مع تؤدي إلى صناعة قرار من خلال ما تبثه.
مسايرة الصحافة للأحداث من خلال الرسائل الإعلامية المؤثرة على التوجهات والآراء، اتضحت بشكل أكبر في النزاعات والأزمات الدولية، ومع صعوبة الوصول إلى المعلومة الدقيقة في أوضاع مماثلة يصبح التركيز على التكلفة الإنسانية للنزاع وقودا لمواقف الدول.
ومن الأمثلة المخلدة لدور الإعلام الدعائي، ما ذكره الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي، حينما قال بشأن الحرب الأهلية في الصومال سنوات التسعينات «الإعلام هو من أدخلنا إلى الصومال وهو من أخرجنا منها».
وكانت الوسائل الإعلامية الأمريكية سنة 1992، قد نقلت بشكل واسع جرائم المليشيات المتناحرة بحقّ المدنيين، مما عزّز التدخل الدولي عن طريق إرسال الولايات المتحدة الأمريكية لقواتها، لتقوم ذات الوسائل بنشر صور جثث الجنود الأمريكيين يتمّ جرها في شوارع الصومال، مما أدى إلى اتخاذ قرار الانسحاب بعد خسائر جسيمة، وفي خضم كل ذلك كان من الصعب نقل أخبار دقيقة عما يحصل في الميدان.
ومن أبرز القضايا التي جعلت الإعلام الدولي يلعب دورا دعائيا كبيرا بدل أداء واجبه في نقل الحقيقة، قصة استخدام دمشق للسلاح الكيمياوي في مدينة دوما في الأسبوع الأول من شهر أفريل المنقضي.
حيث نقلت وسائل الإعلام الغربية الكبرى، المعلومة استنادا لبيان منظمة إغاثة، ولم تكلف نفسها عناء التحري والتدقيق، وشرعت بعدها في نشر عشرات المواد الإعلامية عن احتمال توجيه ضربة عسكرية لدمشق من عدمه، بمعنى أنها قامت بتحويل الانظار من «مدى صدق استخدام الكيمياوي» إلى «الضربة العسكرية وكيف سيتم تنفيذها».
انسياق تلك المؤسسات الإعلامية وراء المواقف الغربية من الحكومة السورية، سرعان ما انكشف بعدما قام وفد من الصحفيين الأجانب بزيارة مدينة دوما ونقل صحفي أمريكي يدعى بيرسون شارب «أنه لم يجد أثرا لاستخدام هذا النوع من الأسلحة، وحتى سكان المدينة سمعوا بالأمر عبر وسائل الإعلام».
واشترط زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، حضور الصحفيين إلى جانب خبراء أمريكيين، للوقوف على عملية إغلاق موقع التجارب النووية كضمان للشفافية وعدم الوقوع في فخّ الدعاية الإعلامية القائمة على تصريحات رسميين تخلق حولها سياقات تؤدي بالضرورة إلى خدمة هدف معين على حساب الحقائق الدامغة.
إن ممارسة وسائل الإعلام للدعاية بشكل متقن وصامت، بحيث يكون من الصعب على الجمهور الواسع تفادي تأثيرات تلك الرسائل، قلّص بشكل كبير حضور المعلومة الدقيقة في فضاءات النشر المختلفة، وساهم في خلق الانقسامات داخل المجتمعات وأدى إلى ما يعرف بالتحكم في عقول «الرأي العام».