خيار العمل بصيغة الناطق باسم الحكومة يطرح بحدّة
الوصول إلى مصادر الخبر هو المدخل الوحيد لصناعة المعلومة الدقيقة في الممارسة الصحفية اليومية، كونها تستند إلى جهات موثوقة تزود الإعلاميين بتفاصيل منطقية لا يسجل عليها أي تناقضات، في نشرها وتقديمها للقراء أو الرأي العام.
وإلى غاية اليوم، فإن الحلقة المفقودة، أو الثغرة الموجودة، في الآداء الصحفي عندنا هو غياب المصدر في كثير من الأحيان.. مما يؤدي إلى الوقوع في مطب المصداقية تجاه ما يطلع عليه الناس كل صباح عبر ما يجدونه عند الأكشاك من يوميات تحاول الإطاحة بالمستجدات الداخلية والخارجية، وإشباع المواطن بكل ما يريده أو ما يرغب فيه من المزيد من المعطيات حيال الأحداث الواقعة هنا وهناك.
وحاليا، فإن الإعلام المكتوب ناقص في هذه الزاوية وما زال ساريا على هذا المنوال بحكم الضغوط اليومية الناجمة عن البحث على الموضوع المسند إلى صاحبه قصد صياغته في وقت ضيق، أو قياسي لا يتسّع المقام في الإلمام بكل ما يتطلّبه من عناصر تكمّل بعضها البعض.لذلك، فإن القوالب أو الكليشيهات المعمول بها لا تخرج عن مصطلحات تتكرّر في كل مرة ويجترّها المهنيون وتتردّد بكثرة على مسامعنا وباستمرار كـ «مصدر موثوق» «مصدر مطلع» «مصدر عليم» مصدر لا يرقى إليه الشك» «مصدر مؤكد» أو بشكل آخر «بلغنا» «ورد إلينا» «ذكر لنا» «في اتصال بنا»، كل هذه الصيغ حاضرة اليوم في صحافتنا ماذا يعني ذلك؟
القراءة الأولية، لكل هذا هو أن الإسناد يعود إلى ذلك «المصدر» ففي كل مرة تعطى الصيغة المراد له حتى تتسلّل تلك القناعة إلى القرّاء، في أن الخبر محلّ النشر جاء على لسان جهات لها دراية بالحدث، قد يكون في أغلب الأحيان «سبقا» أي ما يعرف بـ «السكوب» وهذا الأخير لا يتمّ الحصول عليه هكذا، ولكن بفضل العلاقات الشخصية أو استعمال إغراءات أخرى معروفة أي ليس مجانا.
وهؤلاء الذين يحوزون على هذه المصادر يشترطون أن تكون الصحيفة واسعة الإنتشار وكبيرة السحب، حتى يصل ما يسربونه إلى أكبر قدر من القراء، زيادة على ذلك إعادة نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليحصل على صدى آخر.
ودقة المعلومة لا تعني أبدا بأن الخبر الذي أمامك صحيح لأن في كثير من الأحيان، لا يتوانى من ورد ذكره، الإسراع في القيام بما يسمى بحق الرد، إما للنفي أو التصحيح وهذا ما نلاحظه في كل مرة حتى لا يتورّط هؤلاء في قضايا لا تعنيهم وينسحبون من مسائل معينة، وفي هذا الصدد، فإن العديد من الأشخاص أعلنوا استغرابهم من وجود أسمائهم في قوائم توقيعات تجاه أحداث تشهدها الساحة الوطنية.وهذه العينة المذكورة تمسح على باقي الأخبار التي تنشر هنا وهناك، وهنا أو في هذه الحالة تفقد دقتها نظرا لدخول اعتبارات أخرى خارجة عن نطاقها، خاصة السياسية منها، وقد تكون هناك نظيرتها في المجال الإقتصادي والإجتماعي والثقافي وحتى الرياضي.لذلك، فهناك فرق كبير وبون شاسع بين دقة الخبر ونعني عناصره الأساسية، والمعلومة التي قد نتحصل عليها بحكم تغطية إعلامية، أو بيان أو تصريح فهذه غير معنية بالجانب المبحوث عنه من ناحية الايثارة خاصة، لأن الإتيان بالمعلومة من مصدرها العام.. أي المفتوح على جميع وسائل الإعلام، قد يمر عاديا بالنسبة للقارئ لكن عندما يكون حصريا موجها لصحيفة معينة، فإن قيمته تزداد متابعة نظرا لما احتواه من عناصر تبدو استثنائية.. وفي كل مرة يتمّ تداول تلك الأخبار لدى العامة من الناس، بالرغم من أنها لا تحمل تلك العناصر المطلوبة أي الدقة، كونها تبقى دائما محل تساؤل في حالة ما إذا كانت هناك قراءة لخلفياتها بتمعن من الناحية المهنية.
حتمية إستراتيجية الاتصال
ولابد من الإشارة هنا، هو أن القرّاء أصبحوا لا يهمهم ما ينشر في الجرائد، والقلة القليلة التي تراها وفي يدها صحيفة باستثناء الأشخاص المسنين الذين دأبوا على شرائها منذ صغرهم وأصبحت لديهم عادة، إلى غاية ما هم عليه اليوم.. وهكذا تقلصت المبيعات بشكل رهيب وارتفعت المرتجعات إلى مستوى قياسي والأرقام موجودة. الجميع توجّه إلى ما يعرف بـ «ب .دي.أف» أي قراءة هذه الركائز عبر الأنترنت بدلا من الذهاب عند الأكشاك لاقتنائها مقابل دفع سعرها.. خاصة وأن البعض منها زادت بـ ١٠٠ ٪ أو أكثر.
وحاليا، أي في الوقت الحاضر.. أكثرية الفئات الشبانية تحمل معها، هاتف نقال من الطراز العالي تبحر في أعماق المواقع، سواء في الميترو، التراموي، القطار، الحافلات وغيرها لتحلّ محل الجريدة الورقية أو الكتاب وهي ظاهرة في انتشار كاسح عندنا يتطلّب الأمر التمعن فيها.
والكل منصب على ما ينشر من جديد في التواصل الاجتماعي وخاصة الأخبار التي لا تتداول يأتي بها «الفايسبوك» وتكون محل اهتمام كل المتابعين.. وهنا تظهر بقوة الممارسة الصحفية الملازمة لدقة الخبر.لابد من التأكيد هنا، أننا أصبحنا لا نفرق بين الخبر والإشاعة والقاعدة الذهبية تقول بأن هذه الأخيرة تدحضها أو تقضي عليها المعلومات الصحيحة، فمن يقوم بذلك؟ هذا هو السؤال الكبير الواجب أن يجد ما يشفي غليل كل من يجد نفسه محاصرا بتهاطل عليها سيول من الأخبار هنا وهناك، كل واحد ينقلها وفق مصالحه، وأهدافه.
هنا، لابد من إثارة أو الحديث عن استراتيجية اتصال واضحة المعالم، في هذا الشأن ذكية وسريعة في آن واحد لها القدرة الفائقة في مواكبة حركية المعلومة والتفاعل معها.. وقد حاولت الجزائر فيما سبق العمل بالناطق باسم الحكومة لكن هذه التجربة توقفت فورا، بعد أن تمّ التطرق إلى نقاط معقدة، علما أنها استطاعت في مرحلة معينة، من تأدية دور ريادي في شرح قضايا سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية، كما كان الصحافيون يطرحون أسئلة جانبية متعلقة بالإشاعات وغيرها من الأخبار التي كانت تثير ردود عند الرأي العام.وهناك صيغ أخرى.. يمكن التفيكر فيها مستقبلا، قد تكون حاجزا لمنع انتشار الإشاعة وهذه الآليات تحمل ذلك الطابع المؤسساتي الرسمي الذي يتمتع بالمصداقية في مخاطبة الآخر، والأكثر من ذلك التحاور معه في مسائل آنية.
وحاليا، فإنّ منظومتنا الإعلامية تعاني من هذا الفراغ، ما عدا وزارة الخارجية التي لها الناطق باسمها الذي يتدخل في كل مرة لإبداء الموقف الصريح تجاه المسائل الدبلوماسية التي تهم البلد، ولا تترك أي فرصة تمر دون أن تشرح الحيثيات والوقائع المتعلقة بالحدث.
أما باقي الدوائر الأخرى فليس لها أي قناة إعلامية تسمح لها بأن تواكب ما يقال هنا وهناك وتضبط إفرازات وتداعيات الاتصال بشكل محكم.
هذا التوجه في الاتصال حيال التحكّم في المعلومة الدقيقة خلال الممارسة الصحفية تتطلّب توفر هذه الأدوات ونقصد إيجاد ذلك التواصل المفقود في القضاء على الإشاعة التي تجد مرتعها الخصب في حالة غياب من يواجهها، بواسطة الخبر الصحيح الذي يأتي من الجهات المسؤولة التي هي مدعوة إلى توفير تلك الآليات لمخاطبة الآخر.
لذلكو فإن التجارب الراهنة والمتمثلة في شروع الوزارة الأولى بنشر بيانات رسمية حول مسائل ذات الإهتمام الداخلي تتعلّق بالشؤون الإقتصادية والإجتماعية، تعتبر مصدر خبر بالنسبة للإعلاميين وغيرهم، والكثير من القضايا التي دار حولها الجدل حسمت فيها مصالح الوزارة الأولى، كان آخرها بخصوص إنشاء المناطق الصناعية بإعطاء كل ما يلزم من معلومات.