ترابــط البنـى التحتيـة.. حجـر أســاس لازدهار يشمل الجميع
تعزيــز التعـاون التنمــوي وحلول مستدامة للتحديــات المشتركــة
تمثّل استضافة الجزائر الثالثة للاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية لعام 2025، بعد دورتي 1990 و2001، علامة فارقة تحمل رمزية وطنية واستراتيجية، بحيث تعكس متانة الروابط بين الجزائر وهذه المؤسّسة التنموية الإسلامية، وعمق التزام البلاد بمبادئ التعاون والتضامن الاقتصادي الإسلامي.
تكتسي الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، أهمية سياسية واقتصادية بالغة على الصعيدين الوطني والإقليمي، فمن الجانب الاقتصادي، يشكّل تجمّع صانعي القرار من 57 دولة إسلامية منصة استراتيجية رفيعة المستوى لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون التنموي والبحث عن حلول مستدامة للتحديات المشتركة، ويشارك في الاجتماعات وزراء المالية والاقتصاد والتخطيط والتنمية من الدول الأعضاء، إلى جانب قادة مؤسّسات مالية عالمية كبنك التنمية الإفريقي وشركاء دوليّين، لمناقشة سبل تعزيز النمو الشامل ومواجهة العقبات الاقتصادية.
ويحمل الشعار الرّسمي لاجتماعات هذا العام “تنويع الاقتصاد.. إثراء للحياة”، دلالة واضحة على الأولويات الاستراتيجية للدول الأعضاء في المرحلة الراهنة. فهو يلخّص في عبارتين مترابطتين معادلة التنمية المنشودة: تنويع القاعدة الاقتصادية من جهة، وتحسين نوعية حياة المواطنين من جهة أخرى. وفي ظل التقلّبات الاقتصادية العالمية، أصبح تنويع الاقتصاد ضرورة ملحّة لتقليل الاعتماد على مصدر دخل أو قطاع واحد.
صـوت الحكمـــة.. صوت القــوّة..
علاوة على ذلك، برزت الجزائر في هذه الاجتماعات كصوت قوي يدعو إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وذكّر العرباوي بأنّ الجزائر كانت من أوائل الدول التي تبنّت فكرة إنشاء بنك تنموي يخدم تطلعات الشعوب الإسلامية، في إشارة إلى الدور التاريخي لها كعضو مؤسّس للبنك، وشدّد الوزير الأول على ضرورة تكثيف العمل المشترك وخاصة عبر التعاون جنوب-جنوب بين البلدان الإسلامية، لمواجهة التحديات التنموية وتجاوز العقبات الاقتصادية التي تعيق التقدّم، علاوة على ذلك، حثّت الجزائر على اعتماد أدوات تمويل مبتكرة تواكب التحوّلات العالمية في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والبحث العلمي، بما يعزّز نقل المعرفة وتوطينها ويدفع عجلة التحول الرقمي والصناعي في الدول الأعضاء.
بالإضافة إلى ما تقدّم، حرصت الجزائر على مشاركة خبرتها الإصلاحية مع أشقائها، فقد استعرض العرباوي ملامح برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني، الذي أطلقه الرّئيس تبون بهدف تنويع الاقتصاد الوطني وتحريره من الاعتماد المفرط على المحروقات. وشملت هذه الإصلاحات دعم الاستثمار المنتج، تطوير الصادرات خارج قطاع النفط، وتحديث البنية التحتية بما يكرّس نموذج تنموي أكثر استدامة. بالإضافة إلى جهود تحديث الإطار القانوني للاستثمار لضمان حرية المبادرة الاقتصادية وتحسين مناخ الأعمال، إلى جانب إصلاحات عميقة في المنظومة النقدية والمصرفية لتعزيز الشفافية والفعالية. وقد بدأت هذه السياسات تؤتي ثمارها من خلال تحقيق نتائج اجتماعية ملموسة كرفع الأجور وخلق فرص العمل وتحديث قطاع التعليم، فضلاً عن إطلاق مشاريع استثمارية كبرى في مجالات المناجم والتحول الطاقوي.
وفي سياق متصل، أكّدت الجزائر التزامها بتقاسم ثمار التنمية مع محيطها الإسلامي والإفريقي. فقد أنشأت الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية بهدف دعم الدول الشقيقة والصديقة، لا سيما في إفريقيا والساحل. كذلك بادرت الجزائر في السنوات الأخيرة بمشاريع إقليمية تكاملية، مثل ربط شبكات الطاقة والنقل والاتصالات عبر الحدود، إيمانًا منها بأنّ ترابط البنية التحتية حجر أساس لازدهار مشترك.
ولاقى هذا الدور استحسانًا في أروقة الاجتماعات السنوية، حيث أشاد رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، الدكتور محمد سليمان الجاسر، بجهود الجزائر ووصف انعقاد الاجتماعات في الجزائر بأنه “فرصة لتعزيز الشراكات وتقديم حلول مبتكرة لدفع عجلة التنمية المستدامة في بلداننا... والعمل جنبًا إلى جنب لمواجهة التحديات المُلحّة واستشراف آفاق جديدة لتحقيق التنمية المشتركة”. كما أعرب الجاسر عن امتنانه لحفاوة الاستقبال الجزائري، مؤكّدًا أنّ هذه الدورة ستترك بصمة خاصة بفضل ما لمسوه من كرم الضيافة وجودة البنية التحتية في الجزائر.
كما أعلن أنّ الجزائر عضو فاعل في المجموعة، وأنّ البنك موّل مشاريع متنوعة في الجزائر بقيمة 3 مليارات دولار، داعيًا إلى تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي والانفتاح على أسواق بديلة وتعزيز التجارة البينية لتحقيق الاكتفاء والاستقرار الاقتصادي طويل الأمد.
رمزيــة وأبعـــاد
استضافة الجزائر لاجتماعات البنك الإسلامي للتنمية للمرة الثالثة ليست مجرّد حدث بروتوكولي، بل تحمل في طيّاتها دلالات رمزية واستراتيجية عميقة. فهي دليل على الثقة المتجدّدة التي تحظى بها الجزائر في الأسرة التنموية الإسلامية، وإقرار بمساهمتها الفاعلة في صياغة أجندة التعاون الاقتصادي المشترك. وكانت المرة الأولى في فيفري 1990 ثم الثانية في أكتوبر 2001، وها هي الجزائر مجدّدًا بعد ما يقارب ربع قرن تستقبل وفود الأمة الإسلامية على أرضها. خاصة أنّ انعقاد الاجتماعات في الجزائر هذا العام يأتي في ظل متغيرات إقليمية ودولية تتطلب تنسيقًا أكبر بين الدول الإسلامية، لمواجهة تحديات ما بعد جائحة كورونا وتقلّبات أسواق الطاقة والغذاء.
وفي السياق، تنظر الجزائر إلى هذا الحدث على أنه تتويج لمسارها السياسي والاقتصادي في السنوات الأخيرة. فقد نجحت في تجاوز تحديات أمنية واقتصادية معقدة مطلع الألفية، وتعمل الآن على ترسيخ مكانتها كمركز ثقل إقليمي في التعاون الاقتصادي الإسلامي. واستثمار الجزائر في مشاريع البنية التحتية الضخمة، وتطوير شبكات المواصلات عبر جنوبنا الكبير، ما يعزّز من قدرتها على لعب دور الجسر الرابط بين العالمين العربي والإفريقي.