استثمار إفريقي على أرض إفريقية وبإرادة إفريقية

إياتياف 2025.. الجزائـر تعـــيدُ ضبط البوصلــة القارّية

محمد لعرابي

موقع استراتيجي وإمكانات اقتصادية متنامية في خدمة التكامل

 شهدت الجزائر على مدار أسبوع كامل، حدثا اقتصاديا بارزا مع اختتام الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية، الذي تميّز بتنظيم مبهر ومشاركة واسعة من مختلف دول القارة. لم يكن هذا الموعد مجرّد معرض تجاري، بل محطة مفصلية أسّست لأولوية الاستثمار الإفريقي على أرض إفريقية وبإرادة إفريقية.

 طبعة الجزائر جاءت مختلفة عن سابقاتها من حيث الحجم والعمق والنتائج. فقد تجاوزت قيمة العقود المبرمة 48.3 مليار دولار، وارتفع عدد المشاركين بشكل ملحوظ، مع تنوع العارضين ونوعية المنتجات المعروضة. والأهم أنّ الفضاء الذي وفرته الجزائر، من خلال ندوات وورش عمل ونقاشات مفتوحة، ساهم في بلورة رؤية أوضح للتكامل الصناعي والتجاري داخل القارّة. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تنظيم محكم واحترافية عالية في استقبال الوفود وتأطير النشاطات وتيسير اللقاءات الثنائية. وقد أجمع المتابعون على أنّ الجزائر، بخبرتها في تنظيم المواعيد الكبرى، أضفت بعدا استراتيجيا على المعرض، بحيث تحوّل من مجرّد فضاء لتبادل العروض إلى منصة لصياغة مشاريع مستقبلية ملموسة.
الجزائر جسر العبور نحو إفريقيا جديدة
 الحدث حمل رسائل سياسية واقتصادية قوية. فالجزائر، التي لعبت تاريخيا دورا محوريا في دعم حركات التحرّر الإفريقية، تعود اليوم لتتقدم الصفوف في معركة من نوع آخر: معركة التنمية. ما شهده المشاركون لم يقتصر على جودة التنظيم أو وفرة المنتجات، بل تجاوزه إلى إدراك أنّ الجزائر تطرح نفسها جسرا للعبور نحو إفريقيا جديدة تولد من رحم التكامل.
لقد كان لافتا في هذه الطبعة، أنّ المشاركين اعتبروا الجزائر قاطرة قارية قادرة على تحريك عجلة النمو، خاصة في شمال إفريقيا، بحكم موقعها الاستراتيجي وإمكاناتها الاقتصادية المتنامية. ومن خلال هذا الدور، برزت الجزائر كمرجع ونموذج يمكن أن تلجأ إليه الدول الأخرى في مسارها نحو التصنيع وبناء بنى تحتية متطورة.
منصة للفرص المتنوعة
 المعرض وفّر منصة متفرّدة للقاء المستثمرين ورجال الأعمال من مختلف أنحاء القارة، حيث توافرت فرص غير مسبوقة لعقد صفقات وشراكات جديدة. وتنوعت هذه الفرص بين مجالات الصناعة التحويلية، والتجهيزات المنزلية، والخدمات اللوجستية، والتقنيات الحديثة. كما برز حضور الشباب المبتكرين الذين عرضوا مشاريع واعدة، في إشارة إلى ديناميكية جديدة تعيشها القارة.
الجزائر لم تكتف بتوفير فضاء للتجارة، بل ساهمت في فتح النقاش حول التمويلات طويلة الأمد، وضرورة تجاوز الشراكات التقليدية نحو صيغ تعاون أكثر ذكاءً واستدامة. وبذلك تحوّل المعرض إلى مختبر عملي لتجسيد شعار «إفريقيا للأفارقة»، وتأكيد أنّ الاستثمار داخل القارة يمكن أن يكون مربحا ومتنوعا.
ما وراء الأرقام
 قد يبدو الرقم الكبير للعقود المبرمة هو العنوان الأبرز لهذه الطبعة، غير أنّ الرسالة الأعمق تكمن في البعد السياسي والاقتصادي الذي حمله تنظيمها في الجزائر. فقد جسّدت هذه النسخة رؤية واضحة بأنّ إفريقيا الموحّدة ليست حلما بعيد المنال، بل خيارا قابلا للتحقّق إذا توافرت الإرادة السياسية والقدرات التنظيمية.
لقد تحولت الجزائر، من خلال هذا الحدث، إلى مركز ثقل إقليمي، يربط بين شمال القارّة وعمقها، وبين المتوسّط وإفريقيا جنوب الصّحراء. وهو ما يعكس انتقالها من دور «مهد التحرّر السياسي» إلى دور «قاطرة التنمية الاقتصادية»، في سياق عالمي يتطلب من إفريقيا أن تكون أكثر استقلالية وقوة. المعرض البيني أكّد أنّ القارة أمام منعطف حاسم: إمّا أن تبقى رهينة الأسواق الخارجية، أو أن تبني تكاملا داخليا يجعلها قادرة على المنافسة عالميا. والتجربة الجزائرية في هذه الطبعة جسّدت الخيار الثاني بوضوح، حيث اجتمع المستثمرون الأفارقة على أرض واحدة، تبادلوا الرؤى والمنتجات والخبرات، وأبرموا اتفاقيات تعكس إرادة جماعية لبناء اقتصاد قاري متكامل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025