اليونان...إلى أين؟

برامج تقشفية لا تنتهي

جمال أوكيلي

 يتعرض اليونان لضغوطات قوية من قبل المسؤولين في الاتحاد الأوروبي قصد اعتماده خيارات أكثر قساوة فيما يتعلق بتسيير دواليب اقتصاد هذا البلد، ومطلوب اليوم من اليونان التصويت على برنامج التقشف بقيمة 5 ، 11 مليار أورو، مقابل حصوله على 1 ، 32 مليار أورو، وهذا قبل تاريخ 16 نوفمبر الجاري.
وهذا الموعد المحدّد أدرجه المتتبّعون في إطار الآجال التي ينبغي أن تظهر فيها المؤشرات على الرؤية الرشيدة لليونانيين في إدارة نفقات ميزانيتهم استنادا إلى التدابير الأولى المفروضة من أجل تقليص النسب الخاصة بقطاعات حيوية كانت محل الحاح أوروبي على ضرورة لمس تراجعا في المصاريف التي شملتها توصيات التقشف كتخفيض شبكات الأجور.
وبالتوازي مع ذلك، فإنّ الاتحاد الأوروبي لم يلتزم الصمت أو الهدوء تجاه اليونان، بل أنّ العديد من الشخصيات الاقتصادية أطلقت العنان لتصريحات تترجم توجهات معينة منها أنّ اليونان لم يف بتعهداته إزاء ما بلغ له، زيادة على أنّ أوضاع هذا البلد لا تبشّر بالخير خلال الآجال القريبة، لذلك فإنّ هناك أصواتا تطالب بإخراجه من منطقة الأورو، وفي نفس الوقت هناك من يدعو إلى التريّث، ولعلّ وعسى تحدث المفاجأة خلال التقييم الذي سيصدر عن المؤسسات المالية الأوروبية.
والطرق الأكثر تشدّدا ضد اليونان هم الألمان الذين ما فتئوا يشترطون مبادرات تعجيزية لا يستطيع مسؤولو هذا البلد القادم عليها نظرا لطبيعتها الصارمة، والتي قد تؤدي إلى إعلان الافلاس الكامل والانهيار التام للقدرات المالية لليونان.
وحتى الآن فإنّ الألمان لا يثقون في العملية التقشفية الجارية في هذا البلد، وهم على يقين بأنّها لم تحقّق أهدافها وهذا ما يستشف من كلام وزير الاقتصاد الألماني راتير برود له، الذي تارة يطالب بإبعاد اليونان من منطقة الزورو وتارة أخرى يبدي رأيا مخالفا، وهذا بإبقائها في هذا الفضاء وفي نفس الوقت لا يتوان في التمسك بمبدأ  “الطريق الآخر” الذي يجب أن يسلكها اليونانيون، علما أنّ الألمان يعتبرون بأنّ الأزمة الاقتصادية في اليونان سبّبت لهم متاعب جمّة حتّمت عليهم الذهاب إلى طرح اقتراحات ما هي إلاّ عبارة عن آليات ردّ الصدمة والتضييق على تراكمات الأزمة حيال الاقتصاد الألماني القوي، وكل تلك الأدوات الحمائية، التي أتى بها الألمان خفّفت من آثار الأزمة على حركية الصناعة الألمانية وقطاعات أخرى مرتبطة بتفاعلات وسيرورة استقرار المؤسسات المالية الأوروبية. هذا المنطق الألماني الخاص بدرء الخطر اليوناني هو الذي يحرك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إدراكا  منها بأنّ الفعل الاستباقي أو الوقائي هو الكفيل للاعتماد عليه في مثل هذه الحالات والأوضاع المالية المعقّدة في اليونان، فمن الزاوية الاقتصادية فإنّ الألمان يؤيّدون إخراج اليونان من منطقة الأورو، لكن سياسيا يجارون  نظرائهم الآخرين كفرنسا، وهذه الازدواجية هي تركت الألمان يتحدثون كما يحلو لهم.
وفي مقابل ذلك، فإنّ النمساويين لا يسيرون على هذا الخط، كونهم يرون بأنّ اليونان هو الآن بصدد تنفيذ بنود برنامج التقشف، ولا يستدعي الأمر فرض عليه المزيد من العقوبات حتى تعلن الترويكا (الأفامي، البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي) نتائج تقريرها بخصوص حالة اليونان المالية بعد المساعدات التي أعطيت لها.
أنظار الأوساط السياسية والاقتصادية والأوروبية كلها مشدودة إلى اليونان، ومدى قدرته على تجاوز ثقل الديون التي يتخبّط فيها، وكذلك تخلّصه من إجراءات لإنقاذ المطلوب منه أن يفي بشروطها مهما كان الأمر، إلاّ أنّ ما يستدعي الاشارة إليه هو أنّ المجموعة الأوروبية احتارت في كيفية التعامل مع هذا البلد، تارة تضعه بين خيارين إمّا الطرد من منطقة الأورو وإمّا البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهذه رسالة واضحة تعني أنّ اليونان أصبح خطرا اقتصاديا يهدّد تماسك وديمومة المؤسسات المالية الأوروبية، وعليه فإنّ الاستمرار في عدم اعتباره شريكا أساسيا أو على الأقل مقبولا يترجم الاصرار على دفعه إلى الحلول الانتحارية كما يفعل البعض تجاهه في الوقت الراهن.
وهذه النظرة المحرجة يشعر بها المسؤولون اليونانيون الذين لم يجدوا سوى الرهان على الطرح السياسي، الذي يطالب بمزيد من الآجال لتطبيق خطة الانقاذ، ولهم قناعة تامة بأنّ هناك أفقا واعدة تنتظرهم، غير أنّ هذا الحديث يقلق الألمان كثيرا، الذين لم يبدوا أي تضامن معنوي مع اليونان من ناحية تشجيع هذا البلد على الانتقال إلى وضع أكثر ارتياحا ما عدا الابقاء على عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي.
وقد يكون 16 نوفمبر القادم الامتحان العسير على اليونان للتصويت على برنامج للتقشف، وهذا يعني المزيد من الاضطرابات الاجتماعية في هذا البلد، فماذا يعني كل هذا التقشف الذي لا سقف له؟

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024