الأستاذة صليحة براهمي لـ « لشعب»:

تساهم في دعم الحركة الثّقافية والأدبية

أجرى الحوار: نور الدين بوطغان

محطات اتصال النّخبة بعيدا عن البروتوكولات

اعتبرت الأستاذة بقسم الأدب بجامعة عين تموشنت،صليحة براهمي، أن المقاهي الأدبية في بلادنا تنتشر بشكل محتشم رغم أنها تساهم بفعالية كبيرة في الحياة الثقافية والأدبية للمجتمع، وترجع ذلك لأسباب تراها سياسية، وهي بالنسبة لها فضاء مشترك للالتقاء والتواصل، في هذا الحوار تجيب عن أسئلتنا المتعلقة بالموضوع.

❊ الشعب: المقاهي الأدبية مظهر بارز في الحياة الأدبية للمجتمع، كيف ذلك؟
❊❊ الأستاذة صليحة براهمي: تعكس المقاهي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان المدينة فضاء مشتركا للالتقاء والتواصل بين الناس في مجتمعاتنا العربية، كانت المقاهي في الأصل مكانا للقاء الأصدقاء والمعارف خارج البيوت لما لهذه الأخيرة من خصوصية وحرمة، ثم تطور الأمر فأصبحت المقاهي مكانا، ليس فقط للتسلية والمسامرات بل للتحاور، واتخاذ المواقف وحتى تشكيل الرأي العام. لقد باتت المقهى مكانا مألوفا يفرد له زمن خاص يضاهي مختلف الأزمنة الأخرى مثل العمل والمنزل. كان ارتياد المقاهي مباحا لكل طبقات الناس، ووجدت إلى جانب مقاهي العامة مقاهٍ لفئات وطوائف ومهن معينة، فهناك مقاه لعلية القوم، وأخرى لأصحاب البدل الأنيقة والموظفين، كما وجدت مقاه لأصحاب الحرف والمهن المختلفة كعمال البناء والحدادة والنجارة وغيرهم.
 لم تكن المقاهي تحظى باهتمام الدارسين والباحثين، ولذلك بقيت ظاهرة مجهولة من طرف المؤرخين لاسيما العرب، فالظاهر أن ذلك يعود إلى النظرة الموروثة التي تنظر إلى الظاهرة على أنها ذات طبيعة هامشية، غير أنّه في ما بعد حظيت باهتمام الباحثين في مجالي علم الاجتماع والانثروبولوجيا قبل أن تحظى باهتمام المختصين في ميادين أخرى من ذلك علم الاقتصاد والهندسة والمعمار.
❊ أكيد أنّ في بلادنا موجودة ولها خصوصياتها، ما يميّزها بالتّحديد؟
❊❊ كانت تجربة المقاهي الأدبية أو الثقافية بالجزائر قد انطلقت، منذ سنوات خلت بالمقهى، وهي التجربة التي أشرفت عليها مجموعة من النخبة المثقفة، واليوم بعد مرور سنوات على انطلاق تجربة المقاهي الأدبية ، يحق التساؤل: ما وضعية هذا الصنف من المقاهي؟ وما مدى إشعاعها الثقافي وتأثيراتها الراهنة على المشهد الثقافي للبلاد، في خضم تنوع وسائط المعرفة والتواصل الحديثة...؟
المقهى هو المكان المفضل لتجمع الكتاب والأدباء، تلهم المبدع أو الأديب أو الكاتب، فأجواء الحرية هي التي تصنع الإبداع، فعندما يرى أحدنا الآخر وهو يسمعنا قصيدته، أو يقرأ علينا ما كتبه نهرع إليه، لنستفيد منه ونفيده، فالأدب رؤية جديدة للعالم، وهذه الرؤية الجديدة تلهم الآخرين لرؤية أخرى، وهذا ما كان يحدث في تجمعات الأدباء بالمقهى، فالإبداع الجد شكلت المقاهي الأدبية التي عرفتها بعض بلدان العالم فضاء مفتوحا لصناعة الأفكار وتداولها، وليست هناك مقاه أدبية بالمفهوم الذي شاع في المشرق والغرب، وإن كانت بعض المقاهي تشكل ملاذ بعض المثقفين والسياسيين، فالمقهى الأدبي، كما في الغرب، له خصوصياته وبرنامجه الخاص طيلة السنة، وهو يساهم في الارتقاء بالمجتمع ويُشكّل فضاء للتنفس والمتعة، وليس كما هو الحال عندنا، حيث المقهى هو فضاء للنميمة، لكنه يبقى المتنفّسَ الوحيد لعموم الناس في وقت غابت الفضاءات العمومية التي كانت في الماضي مكانا للفرجة لمناقشة  أمور الدنيا، في حين أن المسجد مكان لأمور الدين.
❊ وماذا عن انتشارها في السّاحة الثّقافية؟ وماذا عن تقبّل المجتمع لها؟
❊❊ لم تعرف المقاهي الأدبية انتشارا واسعا في الجزائر، وهذا الغياب راجع بالأساس إلى أسباب سياسية، وخوف من الانفلات الأمني ومراقبة الناس، وإن كانت قد شهدت تواجدا في أغلب الولايات، وحتى وإن لم تتخذ من المقاهي الحقيقة مراكز لها، إلاّ أنّنا نراها في المنتديات الثقافية، كدور الثقافة في عواصم الولايات خاصة، وفي المراكز الثقافية، وتبقى هذه التجربة رغم عدم انتشارها بالشكل المطلوب، تجربة مهمة لكسر عزلة المبدع، وفي نفس الوقت طريقة ذكية لاقتحام فضاء «عمومي»» من أجل فتح النقاش وتوصيل «البضاعة الثقافية» بطريقة سهلة وسلِسة، دون الإبقاء على «برتوكولات» قديمة تجعل المستهلك الثقافي ينفر منها. وعلى ذلك، فالمطلوب هو نشر التجربة على نطاق واسع، حتى تتمَّ دمقرطة العلاقات الثقافية، وخلق الألفة بين المنتج الثقافي والجمهور، فالمقهى يمكن أن نستثمر فيه الوقت عوض قتله وتضييعه في النميمة، وتحويل المقهى من تلك الوظيفة إلى فضاء للنقاشات والسجال.
ولكن ما يعاب عليه في بلدنا هو اقتصار المقهى الأدبي  على نخبة معينة، ومجموعة أدباء بارزين مع تهميش المبدعين الصغار وحديثي الكتابة حتى  تكون لهم دفعا ومحفّزا وتشجيعا، وبذلك تساهم المقاهي في دعم الحركة الثقافية والأدبية في بلدان عدة حول العالم، ابتداء من متابعة الأخبار ومناقشة آخر المستجدات، مرورًا بالأمسيات الأدبية والثقافية والسجالات بين التيارات الفكرية المختلفة، كانت المقاهي حول العالم العربي شاهدًا على حقبة جميلة قدّمت للأمة خيار عقولها المفكرة،وأعذب أقلامها الكاتبة وأروع ألسنتها الشاعرة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024