الدكتور عبد الحميد هيمة:

النقد الحقيقي يتجّه إلى جوهر العملية الأدبية

ورڤلة: إيمان كافي

تطرّق الدكتور عبد الحميد هيمة، أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قاصدي مرباح بورقلة في حديثه لـ«الشعب»، عن واقع النقد الأدبي في الجزائر وانعكاساته على ترقية الإبداع إلى مقولة المفكر والناقد حسين مروة، ليمنى العيد «نحن بحاجة إلى ممارسات نقدية، لا إلى نظريات في النقد».

أوضح الأستاذ عبد الحميد هيمة أنه انطلق من هذه المقولة لأنها تشخّص أهم إشكالية يعاني منها اليوم نقدنا العربي عامة والجزائري خاصة، وهو ضعف حضور النقد التطبيقي، الذي يستنطق النصوص ويسبر أغوار الأعمال الأدبية، ومن ثمّة يسهم في تطور الإبداع الأدبي، وإن كنا ـ كما قال - «لا ننكر أهمية النظرية والتنظير في النقد، فإننا نعتقد أن النقد الحقيقي هو الذي يتجه إلى النص، الذي هو جوهر العملية الأدبية».

النقد الشكلاني وسّع الهوة  بين النقد الأكاديمي  وجمهور القراء والمبدعين


وذكر المتحدث أن «لعلّ هذا ما أشار إليه تودروف في كتابه الأدب في خطر، عندما قال مخاطبا النقاد: إن الأدب في خطر لأننا في المدرسة أصبحنا لا نتعلّم عن ماذا تتحدث الأعمال الأدبية، وإنما عن ماذا يتحدث النقاد»، مشكلة أخرى تواجه نقدنا المعاصر وهي طغيان النقد الشكلاني الذي يغتال الأدب لا بدراسة نصوص غير أدبية، بل بجعل الأعمال الأدبية مجرد أمثلة إيضاحية لرؤية شكلانية أو عدمية أو أنانية للأدب مغرقة في الغموض قد لا يفهمها إلا الباحث المتخصّص وهذا أدى إلى تعالي هذا النقد عن الجمهور العام للقراء والذين يهمهم من قراءة الأدب معرفة علاقة العمل بشروط إنتاجه وسياقاتها، ومعرفة مواطن تميز هذه الأعمال الأدبية، ومقدار إضافتها إلى النوع الأدبي، ومن ثمّ حدث التباعد، وازدادت الهوة بين النقد الجامعي وجمهور القراء والمبدعين».
كل هذا حسب الدكتور عبد الحميد هيمة مهد لموت الناقد: الذي أخلى مكانه، وتركه للقارئ الذي يستطيع الآن في ضوء تطور شبكة الأنترنيت، ووسائل التواصل أن يضفي قيمة على الأعمال الإبداعية التي يقرأها دون الحاجة إلى ناقد متخصّص، يرشده ويدله على ما يستحق القراءة، وأصبحت مواقع الإنترنيت هي التي توجّه القراء بدلا من الكتب النقدية المتخصصة،  فأغرقت الساحة الأدبية بنصوص ضعيفة ومتهافتة، بسبب ضعف دور الناقد، وتضاؤل حضوره في المشهد الأدبي العام، بسبب ابتعاده عما يمكن تسميته بالنقد التنويري، وانسحاب النقاد الأكاديميين إلى النقد الشكلاني المغرق في الغموض والمجانية، والمليء بلغة الرطانة التي لا تفهمها إلا النخبة المتخصّصة المطلعة على المناهج النقدية المعاصرة.

النقد في حاجة لاعتماد  مناهج أكثر تفتّحا

من هنا اعتبر ذات المتحدث أن على نقدنا أن يتجه إلى الاعتماد على مناهج أكثر تفتحا، تخرج العلوم من دائرة التخصّص الضيقة، وتمكننا من إدراك الظواهر المدروسة، في سياقاتها الثقافية العامة، على اعتبار أن الثقافة هي الحاضنة الكبرى التي تحتوي داخلها كل العناصر الجزئية المادية وغير المادية، فهي التي تمنح بكليتها للأجزاء ملامحها ودلالاتها، ولكنها بدورها تتلقى من هذه الأجزاء ما يثريها ويحورها، فالثقافة في تغيير دائم، يستوعب الجديد، ويطور القديم، ويسعى إلى استشراف المستقبل.
وإذا كان النقد الأدبي جزء من الكل الثقافي، فإنه يعمل من جهة على إثراء الثقافة بما يبدعه من مفاهيم، وما يضع من مناهج وما ينجز من دراسات للظواهر، الثقافية، تجعل المتلقي يزداد فهما ووعيا بهذه الظواهر ومن جهة أخرى يستفيد النقد من عناصر الثقافة ما يرسخ رؤيته ويجعلها أكثر تفتحا على المكونات الثقافية كلها، وهذا في رأيي من شأنه أن يطوّر ممارساتنا النقدية، ويفتح مجالا رحبا للمبدعين لإثراء تجاربهم وتعميقها بالأبعاد الثقافية. ومن ثم تطوير التجربة الأدبية كي تلامس المعرفة الإنسانية لأن الأدب مثلما الفلسفة، ومثلما العلوم الإنسانية هو فكر ومعرفة للعالم النفسي والاجتماعي الذي نسكنه والواقع الذي يطمح الأدب إلى فهمه هو بكل بساطة التجربة الإنسانية بكل أبعادها وتجلياتها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024