الكاتب والإعلامي محمد بغداد لـ “الشعب”

الدّيمقراطية الإعلامية تتأسّس على الحوار وقبول الاختلاف

حاورته: آمال مرابطي

أكّد الإعلامي والكاتب محمد بغداد في حوار مع “الشعب”، أنّ المرحلة الحالية من الممارسة الإعلامية الجزائرية تعرف تطورا نوعيا، من خلال الإمكانيات والقدرات الرّهيبة التي تتميّز بها السّاحة الإعلامية والمتمثّة في الجيل الجديد من الإعلاميين والمثقّفين الذين يتّسمون بصفة الطّموح العالي والاطّلاع الكبير، وقال أنّ الجزائر بحاجة إلى الكثير من الديمقراطية الإعلامية التي تتأسّس على الحوار وقبول الآخر، والاعتراف بتعدّد الآراء والأساليب من أجل الارتقاء إلى المستوى المطلوب.

❊ الشعب: ما هي نظرتكم لواقع الاعلام الثّقافي في الجزائر؟
❊❊ محمد بغداد: تجربة الممارسة الإعلامية الجزائرية لها امتدادات تاريخية مهمّة عرفت أعلى مستوياتها الإبداعية في بداية القرن العشرين، وقد شكّل المرحوم عمر بن قدور النّموذج الأرقى لهذه الممارسة، ومن ورائه ذلك الجيل المؤسّس للممارسة الإعلامية الوطنية ذات الأبعاد الثقافية النوعية، والتي للأسف ما تزال مغيّبة في الأدراج وتصرّ المؤسسة المعرفية الابتعاد عنها، إلاّ أنّ المرحلة الحالية من الممارسة الإعلامية الجزائرية تعرف تطورا نوعيا من خلال الإمكانيات والقدرات الرّهيبة التي تتميّز بها السّاحة الإعلامية والمتمثلة في الجيل الجديد من الإعلاميين والمثقفين، الذين يتّسمون بصفة الطّموح العالي والاطلاع الكبير الذي يجعل المسايرة الحالية للتطورات والثورات التكنولوجية الحديثة أمرا ميسّرا، ولكن نحن بحاجة إلى الكثير من الديمقراطية الإعلامية التي تتأسّس على الحوار وقبول الآخر، والاعتراف بتعدد الآراء والأساليب، والصبر على بعضنا من أجل الارتقاء إلى المستوى المطلوب.
كما أنّ الاطّلاع الواعي الأوّلي على الممارسة اليومية الميدانية، تجعلنا نقرّ بضرورية الاعتراف بأنّ الخبر الثقافي يتضمّن المعاني الأساسية للحركة التاريخية للمجتمع، وهو المعيار الأهم لدراسة طبيعة المجتمعات ومستواه الذوقي ومكانتها في الحياة. وعند التدقيق نجد أنّ كل الأنشطة اليومية هي انعكاس لمحمول الثقافة العامة للمجتمع، وهي المبرّر لوجوده وكل الأخبار التي يتصور البعض أنها فرعية هي تجلي للفعل الثقافي العام، لأنّ الخبر الثقافي ليس ذلك المتعلق بأمسية شعرية أو سهرة فنية أو محاضرة فكرية وغيرها، ممّا تعوّدنا على التعاطي معها. وفي الحقيقة الخبر الثقافي هو كل خبر عن نشاط إنساني، وإذا غيّرنا مفهومنا للثقافة يمكن أن نصل إلى تصور عقلاني للممارسة الإعلامية.
❊ ما الدّور الذي يمكن أن تلعبه الصّحافة المكتوبة لإنجاح العمل الثقافي؟
❊❊ كانت الصّحافة المكتوبة ولا تزال الرّائدة في القيام بالممارسة الإعلامية، رغم تطوّر الوسائط الاتصالية الحديثة. وما دام الإبداع الثقافي ذو طبيعة إنسانية فإنه بقي ملازما للقراءة التي تبقى أقوى وأهم وسائل المعرفة، ومن هنا فعندما يتداخل الفعل الاتصالي بالفعل المعرفي فإنّنا نكون أمام صورة من الانجاز الإنساني العميق. وقد عرفت المسيرة التاريخية للتجربة الإعلامية والثقافية العالمية تلازما بين الكتابة والصحافة، وكلّنا نعرف أنّ الكتاب المقدّس باعتباره الموروث التراثي التاريخي لأوروبا كان أول ما تمّ طبعه عند اختراع المطبعة، وهو ما يجعلنا نواجه حقيقة وإبعاد العلاقة بين الفعل الإعلامي والممارسة المعرفية.
وهي المعادلة التي تمكن أصحابها من الارتقاء بالإبداع الإنساني وإكسابه القوة المهيمنة في كل الحضارات، ولكنّنا مازلنا في الجزائر بحاجة إلى تلك التجربة الرائدة للصحافة الوطنية في بداية القرن الماضي التي تمكّنت من النجاح في تحقيق معادلة الإعلامي والثقافي، وبهذا النجاح أوصلت الإبداع الجزائري إلى أبعد نقطة في العالم رغم الحصار والاستعمار الفرنسي التدميري للهوية والذات الوطنية.
وعندما نتابع اليوم الممارسة الإعلامية في المجال المكتوب، هنا نجد القوة الرّهيبة التي تمتلكها الوسائط والدعائم الإعلامية المكتوبة، والذات عندما تتكئ على قوة وعمق الرّسالة التي تحملها كونها تنطلق من قاعة صناعة إعلامية لها قواعدها الراسخة ومؤسساتها المتمكنة في التجدر الاقتصادي والانتماء الاجتماعي.
❊ كيف ترون الصّفحات الثّقافية بالعناوين الإعلامية؟
❊❊ المشكلة الأساسية التي نعاني منها تتمثل في تلك الرؤية القاصرة والمحصورة في تناول المؤسسات الإعلامية، عندما نحصر المادة الإخبارية الثقافية في تلك الأحداث أو العناوين أو المساحات الضيقة، لأنّ المادة الإعلامية الثقافية مرتبطة بالمنتوج الإبداعي الاجتماعي، وهو المحدّد الأول لطبيعة هذه المادة. قد تحدّثت عن ذلك بالتّفصيل في كتابي “حركة الإعلام الثقافي في الجزائر”، فكلّما كانت القريحة العامة نشطة، وتملك تلك الآفاق الرّحبة من الخيال والإبداع، كلّما كانت الممارسة الإعلامية راقية، ومسايرة لها والعكس يكون صحيحا، إلا أن هناك عاملا مهما، يتمثل في درجات ومستويات المهارة والخبرة، التي توفّرها المؤسسات المستأمنة على المنظومة المعرفية، وما يتبعها من الهياكل العامة التي تختزن الخبرة والمهارة المهنية، وتكون المراجعة والتّقويم الدّائمين واليقظة، في تتبع المستجدّات الطّارئة في مجال الإبداع الجمالي الإنساني، وكذا أساليب التعامل الفنّي مع المادة الإعلامية الثقافية.
❊ ما الواجب اعتماده في الإعلام الوطني لتعزيز الحوار بين الثّقافات؟
❊❊ الحوار بين الثقافات مفهوم طرح منذ سنوات على مستوى المخابر الأكاديمية والمنابر العلمية، وانتقل فيما بعد إلى المحافل السياسية، كوسيلة لتخفيف الصّراعات الدولية المحمومة التي أنتجتها سياسيات المحافظين الجدد في الغرب، وممارستها التدميرية في العالم.
وهو مفهوم مطّاط ومبهم، في غالب الأحيان، لأنّه مرتبط بتوازن القوى الدولية، ومدى اكتساب الأمم لأدوات القوة ومساحات النفوذ، وأساليب السّيطرة ومواقع النّفوذ، والحوار في هذه الحالة لا يكون إلا بين الأنداد وفي هذه الحالة، يكون حوار الثّقافات مجرّد شعار يتم تداوله في مختلف المواقع والمحافل الدولية والتصريحات الإعلامية، كون الحركة التاريخية تقتضي التدافع، ويكون الإعلام من أهم الوسائل الاستراتيجية المستخدمة في هذا التدافع، وقد زادت مكانته ودوره في العصور الأخيرة، وأنّ كل ثقافة تسعى إلى كسب المزيد من النفوذ والسيطرة والهيمنة، وفي النهاية الأمر يتعلق بالتراكم التاريخي للإنسانية.
❊ أين دور المواقع الالكترونية في إبراز العمل الثّقافي بالجزائر؟
❊❊ المواقع الالكترونية من الوسائط الإعلامية الحديثة، وإن كانت لها الكثير من الفوائد المهمّة إلاّ أنّ تصميمها وإدارتها  تتطلب الكثير من التكاليف والبراعة. لا أعتقد أنّ الوسط الثّقافي قادر على تحمّلها، ولا يوجد المناخ المناسب لتطوّرها، بالرغم من المواهب والقدرات المهمّة التي يمتلكها الشباب الجزائري.
في الوقت الذي نجد أنّ تجربة المواقع الالكترونية أثبتت نجاعتها وفوائدها الكبيرة، ومردوديتها العالية في الكثير من دول العالم كون هذه التجارب النّاجحة، انطلقت من اعتبار الموقع الالكتروني مؤسسة إعلامية قائمة بذاتها. وعندما نتحدّث عن المؤسسة، يفترض أن نتحدث عن ثقافة نخب في إدارة الإعلام، والتي تستند على أرقى النظريات الإعلامية الحديثة، وتستمد نشاطها من قدرات الإنسان ومواهبه، وتعيش في مناخ عام منظّم ومرتّب.
إنّ امتلاء أعنة التكنولوجيا الحديثة، لا يتم بالقدرة على التعامل العادي مع التقنيات والفنيات الممارسة، وإنما الانخراط الواعي منذ البداية، في الانسجام مع التكنولوجيا كمعطى إنساني وتاريخي وزمني، يجب القيام عليه منذ بداية الحياة وشرط من شروط حركة المجتمع، ومن ثم فإنّ الوسائط الاتصالية الحديثة ما تزال بيننا وبينها فجوات كبيرة، من حيث الماهية ومن حيث الأبعاد الحقيقية لها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024