..و يبقى التّكوين الحلقة الأضعف

تيبازة: علاء ــ م

أجمعت عدّة فعاليات ثقافية نشطة بولاية تيبازة على أنّ الفعل الثقافي المحلي، الذي يفترض بأن تنشطه جملة الجمعيات المتخصصة في الميدان، لم يعد يتماشى ومقتضيات الرصيد الثقافي والأثري للمنطقة، بفعل غياب اللّمسة الثقافية التي أفرزها نقص التكوين واللهث وراء المساعدات المالية بدون برامج مقنعة.

وفي ذات السياق، تؤكّد مصادرنا الموثوقة من مديرية الثقافة بالولاية بأنّه من بين 107 جمعية ثقافية عبر الولاية، لا تشارك في إثراء الفعل الثقافي على أرض الواقع سوى ما يقارب 20 جمعية، يتمركز أغلبها بالناحية الشرقية، فيما تبقى الناحية الغربية في منطقة الظل التي تعتبر النشاطات الثقافية بها من الطابوهات التي يصعب تخطيها، كما أشارت مصادرنا أيضا إلى أنّ العديد من الجمعيات الثقافية التي تحوز على الاعتماد كثيرا ما أمطرت الوصاية بوابل من التهم المتعلقة بالعشوائية وعدم الإنصاف في انتقاء ممثلي الولاية في الأسابيع الثقافية بالولايات الأخرى، إلاّ أنّ الواقع يشهد بأنّ الإنتاج الثقافي لهؤلاء يبقى بعيدا كلّ البعد عما هو متعارف عليه في الأعراف الثقافية، ولا يرقى لأن يكون معبرا عن الوجه المشرّف للولاية، التي تبقى تزخر بالرّغم من ذلك بكم هائل من الإنتاج الثقافي المتميّز الذي تصنعه عديد الجمعيات المتخصصة في الموسيقى الأندلسية والموسيقى الشعبية، وكذا الطابع الغنائي العصري والغربي والأعمال المسرحية. وكمثال على ذلك نذكر جمعية حركة المسرح لمدينة القليعة، التي تمكّنت من بسط نفوذها على العمل المسرحي من خلال تنظيم طبعات سنوية لمهرجان “الفرجة” الوطني، والذي أدرك طبعته التاسعة عشر هذه السنة. كما تقيم جمعية الغرناطية للموسيقى الأندلسية مهرجان “أندلسيات القليعة”، والذي تجاوز طبعته الرابعة العام المنصرم، والأمر نفسه بالنسبة لجمعيات نسيم الصباح والقيصرية الأندلسيتين من شرشال، وكذا السليمانية من حجوط، وجمعية المنارة للغناء الشعبي من مدينة شرشال، إضافة إلى جمعية البشطرزية من مدينة القليعة. كما ساهمت ذات الجمعيات في تمثيل الثقافة الجزائرية بعدة محافل دولية، كانت آخرها خرجة جمعية البشطرزية القليعية إلى تركيا مؤخرا.
وعن علاقتها بالوصاية، يؤكّد ممثلو عدّة جمعيات نشطة على أنّ الأمور تغيّرت طيلة السنوات الأخيرة، من حيث تراجع مديرية الثقافة عن توفير الموارد المالية لتغطية البرامج المسطرة، وذلك من خلال عدم متابعة الإرساليات المقدّمة للوزارة بهذا الشّأن، الشيء الذي يعتبره هؤلاء تراجعا ملحوظا في تجسيد الفعل الثقافي على أرض الواقع، والذي تحوّل على مرّ عدّة سنوات خلت إلى مجرّد صرخة في واد ونفخة في رماد لا طائل منه، مؤكّدين على أنّهم لم يلمسوا سياسة ثقافية واضحة المعالم على أرض الواقع يمكن التأقلم والتجاوب معها لترقية الفعل الثقافي وفق ما يخدم القطاع محليا. إلا أنّ مصادرنا من مديرية الثقافة جزمت بأنّ الإدارة لا تصنع الثقافة وإنّما يقتصر دورها على التزكية والمرافقة والمراقبة، وأنّ المخوّل لممارسة الفعل الثقافي يبقى ممثلا في نسيج الحركة الجمعوية الثقافية، ومن ثمّ فقد تكاثرت الجمعيات الثقافية حبا من روادها لإعطاء دفع قوي للحركية الثقافية.
غير أنّ المختصّين في القطاع أجمعوا على أنّ معظم الأعمال الفنية المنجزة في إطار ذات الجمعيات تبقى تفتقد للجودة المطلوبة ولا يمكن التباهي بها إطلاقا أمام الولايات الأخرى باعتبارها تشكّل في أساسها مجموعة من السكاتشات المسلية، إلاّ أنّها لا ترقى إلى درجة الأعمال المسرحية الهادفة والمحترفة، ممّا أفرز انكماشا ملحوظا للنّسيج الجمعوي الفاعل في الميدان. وأضحت بعض الجمعيات دائمة المشاركة في مهرجانات الأسابيع الثقافية للولاية بالولايات الأخرى، فيما تبقى جمعيات أخرى خارج مجال التغطية بالنظر إلى تدني مستوى أعمالها الفنية بالرغم من كثرة عددها عبر أقاليم الولاية، في حين تنتظر بعض الجمعيات بولايات أخرى من الوطن أكثر من سنة كاملة لحلول دورها في المشاركة ضمن وفد الأسبوع الثقافي للولاية بالنظر إلى جودة الأعمال المنجزة من لدنها، ومن ثمّ فإنّه يبدو جليا بأنّ الإشكال القائم بولاية تيبازة يكمن في تخلي المنتسبين للجمعيات الثقافية عن ثقافة التكوين والرسكلة وتحيين المعطيات مع تجنّب المشاركة في دورات تدريبية متخصّصة.
«حركة المسرح” لمدينة القليعة.. نموذج الجمعية الثّقافية المتألّقة
 
هي حركة ولدت من رحم الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية خلال الثمانينات، وتأسّست كجمعية متخصّصة في المسرح غداة الإعلان عن قانون الجمعيات لسنة 1990، وتعتبر حاليا من أبرز الجمعيات المحترفة على المستوى الوطني، لاسيما بعد تخريجها لعدد لا يستهان به من الممثلين والمبدعين، تمكّنوا بفعل قدراتهم الإبداعية من اكتساح الساحة الفنية الوطنية من خلال المساهمة في إثراء الأعمال الفنية التي تتبنّاها القنوات التلفزيونية الخاصة والوطنية، وكذا المسارح الجهوية عبر الوطن، على غرار مصطفى لعريبي ومينة لشطر ونبيل عسلي ومحمد ينينة وغيرهم.
وقد سبق لرئيس الجمعية، السيناريست يوسف تاعوينت، إعداد برنامج تكويني شامل في المسرح قدّم لمديريات الثقافة والشباب والرياضة خلال سنوات خلت، يقضي بتكوين مواهب شابة من مختلف بلديات الولاية في مجمل جوانب العمل المسرحي، على أن يتحوّل هؤلاء إلى سفراء فاعلين على مستوى بلدياتهم، مع تعهّد حركة المسرح بمرافقتهم مستقبلا، إلا أنّ المشروع أجهض في مهده ولم ير النور إلى حدّ الساعة بالرغم من رسائل التذكير التي قدّمها تاعوينت للجهات المعنية، ومن ثمّ فقد نشأت 3 جمعيات مسرحية فاعلة بمدينة فوكة خلال السنوات الأخيرة على يد أبناء حركة المسرح للقليعة خلال السنوات الأخيرة، فيما بقيت باقي جهات الولاية تنتظر مبادرات مشابهة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024