موقع أثري شاهد على اجتماع قادة الحلفاء خلال الحرب العالمية

حظيرة سيجاس بمسلمون تيبازة تنتظر التّصنيف

تيبازة: علاء ــ م

طالبت جمعية “بوهلال” الثقافية بمسلمون التابعة إقليميا لولاية تيبازة، من وزارة الثقافة الوفاء بعهودها المتعلقة بتصنيف حظيرة سيجاس الأثرية كموقع أثري ذو بعد تاريخي هام، بالنظر إلى القيمة التاريخية التي يحملها في طياته، حيث شهد اجتماع قادة الحلفاء في أوج الحرب العالمية الثانية لبناء خطة محكمة لطرد الألمان من شمال إفريقيا، وهي حظيرة كان يملكها  المعمّر مستر جيمس، الذي كان ابنه ضابطا في الجيش البريطاني، دلّ قادة الحلفاء على الموقع لهدوئه وبعده عن التجاذبات العسكرية.

وقال رئيس الجمعية لياس عزيبي بهذا الشأن في حديث لـ«الشعب”، بأنّ الموقع ظلّ مهملا طيلة عقود من الزمن، إلى أن حظي بلفتة مميزة من والي تيبازة السابق، والذي أمر بترحيل 55 عائلة على مرحلتين كانت تقيم ببيوت قصديرية بضفافه إلى سكنات لائقة بحي باب الواد المجاور، الذي تمّ تأسيسه إبان الثورة التحريرية، حين أقدم الاحتلال الفرنسي ـ يقول ـ على تجميع العائلات الجزائرية في تجمعات سكانية، لغرض عزلها عن المجاهدين، مع تسمية غلاف مالي محترم لترميمه وتهيئته جزئيا.
وأضاف عزيبي بأنّ المصالح العمومية باشرت حينها في عملية تهيئة جزئية للموقع، الذي دخل التاريخ العالمي من بابه الواسع، حيث أضحت كبريات الدوريات العالمية تتحدث عنه، وهي العملية التي شملت ـ حسبه ـ مختلف أوجه التّنظيف ورفع النّفايات الهامدة به في مرحلة أولى، على أن يعرض أمر تهيئته الشاملة على السلطات المركزية، بالنظر إلى امكانية التهام المشروع لمبالغ مالية كبيرة، بحيث سخّرت لعملية التنظيف والتهيئة الأولية لوحدها مبلغ ٦٫٣٠ مليون دينار.
رئيس الجمعية قال بأنّ المسؤول الأول عن الثقافة بتيبازة لم يتأخّر عن اقتراح تصنيف الموقع، ضمن الأملاك الثقافية الوطنية على وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، على هامش زيارتها لتفقد مشاريع القطاع في مقتبل سنة 2008، حيث طافت بجوانبه وبعض أجزائه وقبلت بالفكرة، بالنظر إلى الرصيد التاريخي الهام الذي يحوز عليه الموقع، مضيفا بأنّ مديرية الثقافة أعدّت حينها ملفا مفصلا في الموضوع، تمّ إرساله إلى اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة وجرد الأملاك الثقافية الوطنية، التي صادقت على عملية تصنيف الموقع ضمن تلك الأملاك في 17 ديسمبر 2008، غير أنّ ذلك لم يصدر بالجريدة الرسمية إلى غاية يومنا هذا لأسباب تبقى مجهولة، ولا يعلمها غير القائمين على الشأن الثقافي ببلادنا ـ حسب المتحدث ـ إلاّ أنّ الوزيرة خليدة تومي عاودت الإشارة إلى الموقع من جديد على هامش زيارتها للولاية في شهر أوت من سنة 2012، من خلال إقرارها بتخصيص غلاف مالي معتبر لتهيئته وردّ الاعتبار له، بحيث أشارت مصالح مديرية الثقافة بالولاية حينها إلى تخصيص ما قيمته 5 ملايين دج، لإجراء دراسة شاملة تتعلق بتهيئة الموقع، على أن يشرع في ذات العملية لاحقا ليصبح هذا الأخير معلما ثقافيا وشاهدا بارزا على تاريخ البشرية الحديث بصفة عامة، وتاريخ الجزائر والجزائريين بنضالهم وبطولاتهم بصفة خاصة، إلاّ أنّ المبادرة دفنت في مهدها ولم تر النور، وهو الأمر الذي أثار حفيظة مؤطّري جمعية “بوهلال” الثقافية، الذين اعتبروا الأمر استصغارا وتقزيما لتاريخ المنطقة الذي تحدّثت عنه كبرى النشريات العالمية، ولم تتمكّن السلطات الوصية على الثقافة في جزائر ما بعد الاستقلال من تثمينه وتصنيفه.
وفي سياق ذي صلة، أشار رئيس جمعية “بوهلال”، بأنّه سمع السفير الأمريكي السابق ببلادنا “ديفيد هيون” يؤكّد على هامش إحدى خرجاته للمنطقة، على أنّ الأمريكيين سيجعلون من موقع “سيجاس” قبلة لهم مستقبلا، حال توفر شروط التنقل إلى المنطقة للسياحة، ولاسيما عقب استكمال مشروع التهيئة الشاملة، والذي يندرج ضمنه بناء نصب تذكاري يخلّد للحدث.
كما أكّد رئيس الجمعية من جهة أخرى إلى أن الفضل في رد الاعتبار للموقع، يعود للجمعية بالدرجة الأولى باعتبارها كانت السباقة لمراسلة السلطات الولائية بشأن الموضوع، الأمر الذي لقي استحسان وتعاون جميع الجهات المعنية.

هنا اجتمع قادة الحلفاء في أكتوبر 1942

شهدت ليلة الـ 21 إلى 22 أكتوبر من عام 1942 لقاءً سريا للغاية، أقامه القادة العسكريون للحلفاء بمقر حظيرة سيجاس برئاسة الجنرال الأمريكي “مارك واين كلارك”، الذي التحق بالموقع ليلة الـ 20 من أكتوبر على الساعة الواحدة والنصف ليلا على متن غواصة خاصة، وغادر المنطقة ليلة الـ 22 أكتوبر على الساعة الخامسة والنصف صباحا، تحت حراسة أمنية مشدّدة من لدن المقاومين.
وبالرغم من أنّ اللقاء كان يندرج ضمن إطار “سري للغاية”، إلاّ أنّ الأخبار المسرّبة للصّحافة العالمية التي أشارت إليه لاحقا، أكّدت اتّفاق الأمريكان والانجليز والمقاومين الفرنسيين، على خطّة محكمة لطرد النّازيين من شمال إفريقيا في مرحلة أولى ومن فرنسا وبقاع أخرى في مرحلة لاحقة في خطوة كان لابد منها، لفتح جبهات قتال جديدة مع دول المحور التي أبانت عن توسّعات استعمارية كبيرة بأوروبا الشرقية حينها، لتدخل بذلك قرية مسلمون الهادئة عتبة التاريخ العالمي من بابه الواسع.
ومن بين الخطط الرّئيسية التي تناولها قادة الحلفاء بالدراسة والتحليل في 22 أكتوبر 1942 بحظيرة “سيجاس” بمسلمون، تفاصيل الإنزال الأمريكي الشهير بالسواحل المغاربية التي كانت حينها تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، والذي سمي حينها بـ “عملية طورش”، وهي العملية التي تزامنت مع انتصارات عديدة، حقّقتها كل من القوات البريطانية والسوفياتية سابقا على قوات الألمان، بحيث كانت تهدف ذات العملية إلى فتح جبهة قتال جديدة على مستوى الشمال الإفريقي، على خلفية كسر شوكة قوات النازية، الشيء الذي أفلح فيه الحلفاء بقيادة الأمريكان، وتمكّنوا من تحرير كل من الجزائر والمغرب من النازيين بعد قتال عنيف مع الألمان.
وفي سنة 1952، أقدمت سلطات الاحتلال على تشييد معلم تذكاري بالموقع، يشمل ثلاثة أبواب كبيرة، إشارة منها إلى مشاركة ثلاث دول عظمى في اللقاء، وأضحى الاحتفال به تقليدا سنويا، بالنظر إلى قيمته التاريخية إلا أنّ مجاهدي الكتيبة الحمدانية للولاية الرابعة التاريخية، قاموا بتدمير جزء من المعلم سنة 1956 في بادرة تهدف إلى إيصال صوت الثورة للعالم، وغداة استقلال الجزائر في 1962 التحقت عدة وفود أجنبية بالموقع للاطلاع عليه، بالنظر إلى مكانته التاريخية، غير أنّ السّلطات المحلية لم تصنفه ضمن أولوياتها، من حيث التهيئة وإعطائه البعد التاريخي اللائق به طيلة أكثر من 40 سنة بعد الاستقلال، الأمر الذي شجّع الكثير من العائلات على الاستقرار به خلال تلك الفترة، باعتباره يقع على حواف مدينة مسلمون بجوار الطريق الوطني رقم 11، ويطل على البحر مباشرة ويعتبر موقعا استراتيجيا بكل المقاييس.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024