الروائي السعيد بوطاجين لـ “الشعب”

الأدب الإلكتروني اخترق الحدود الجغرافية واللسانيات وفرض نفسه

هدى بوعطيح

إضـــــافة ضروريـــــة للتواصل والنشر تحتــــــاج إلــــى جدّيــة

التصور الاختزالي لوظائف وسائل حديثة قد تحدث تضليل يصعب التخلص منه

أكّد الروائي السعيد بوطاجين أن هناك جهودا كبيرة تسعى لترقية الأدب الإلكتروني في الجزائر، وفي غيرها من بلدان العالم بسلبياتها وإيجابياتها، مشيرا إلى أنها ستظلّ مهما كان موقفنا من خطورتها المحتملة، إضافة ضرورية للتواصل والنشر. وقال بأن هناك تنويعات تستحق الالتفات إليها بحكم جديتها واحترافيتها النسبية، ولا بد أنها ستقدم إضافات بمراجعة بعض فجواتها، خاصة ما تعلّق بالمستوى، حيث إنه ليس من باب الحكمة ـ حسبه ـ السقوط في العوالم التبسيطية التي لا تبني على التخصّص، وعلى الأكاديميات التي تساهم في تصويب النشر الذي لا يحتكم إلى أسس جمالية في حالة الإبداع، أو منهجية ومصطلحية ومفهومية في حالة النقد.

وشدّد السعيد بوطاجين في حديث لـ«الشعب” على أن الأدب الإلكتروني بحاجة إلى جهود وجدية حقيقية، غير أن الكثير من المجلات والمنجزات الإلكترونية ـ يقول ـ لا تأخذ في الحسبان قضية المستوى لاعتقادها أنها يمكن أن تكتفي بالنشر، “وهذا سبب كاف للتدليل على التصور الاختزالي لوظائف وسائل حديثة كان يفترض أن تبني على الجودة، هذا النوع من التضليل قد يحدث مشكلة يصعب التخلص من آثارها”.
ويرى الروائي بوطاجين أن الأدب الإلكتروني استطاع اختراق الحدود الجغرافية واللسانية، مشيرا إلى أن ذلك في حدّ ذاته نوع من الانتصار على الرقابة المغالية في قراءة النصوص، وعلى دور النشر التي تشتغل وفق منطقها الخاص في التعامل مع الأسماء.
وعما إذا كان يمكن القول بأن الأدب الالكتروني بديل للأدب الورقي، اعتبر محدثنا هذا الموضوع بحاجة إلى نقاش مطول، وقال “القول بأن الأدب الإلكتروني بمقدوره حلول محل الأدب الورقي فذلك، من منظوري، أمر سريالي، مجرد اعتقاد لا يبني على أسس علمية وفنية ومنطقية وعلمية”.
ينتشر بطريقة لا ضوابط لها
السعيد بوطاجين أبرز بأن الأدب الالكتروني قد ينتشر بطريقة لا ضوابط لها، كونه لا يخضع في أغلبه إلى قراءات نقدية متخصّصة، وهو ما قد يُحدث ـ حسبه ـ ما يشبه الفوضى والأشكال الشفهية التي تفتقر إلى الموقف النقدي العارف بالأبنية والجماليات، وقد يصبح النشر الإلكتروني، في حالات كثيرة، نوعا من الفوضى التي تساهم في إفساد الذوق وتمييع القيم الجمالية، كما هو حاصل حاليا، بصرف النظر عن اجتهادات حقيقية تستحق الالتفات إليها بالنظر إلى قدراتها، يضيف المتحدث.
كما أكد الروائي أن شبكة الإنترنت سمحت بالتواصل ونشر الإبداعات، على اختلاف أنواعها وأجناسها ومستوياتها ورؤاها، موضحا بأنها مسألة جيدة إن نحن ركزنا على الانتشار السريع للمنجز الذي يكتب هنا وهناك. وقال “إنها إحدى طرق فك الحصار على الهامش”، غير أنه يرى بأنها قد تحمل مخاطر كبيرة يتعذّر ترميمها بفعل تراكم التقييمات التبسيطية التي تبني على المجاملة والعلاقات، أو على قلة المعارف الضرورية للحكم على ما ينشر من أعمال أدبية وفنية، مبرزا في سياق حديثه أن هناك مغالطات كبيرة قد تعلي من شأن ما لا يستحق ذلك، كما يمكنها أن تقلّل من قيمة أعمال ذات أهمية كبيرة.
ويرجع الأستاذ بوطاجين ذلك إلى  بعض الآراء الهزيلة التي أصبحت تسيطر على الأكاديميات، وإلى الإبداعات الهشة التي أصبحت أيضا مرجعا مهمَا بفعل الأحكام التي لا تبنى على زاد وموضوعية، قائلا “إننا في سوق عكاظ، وبشكل متخلف عن عبقرية سوق عكاظ، ويمكننا أن نلاحظ ذلك بشكل يدعو إلى الحيطة مما يكتب على كافة الأصعدة، عن وعي أو عن غير وعي”، وفي نظر الروائي ثمة محاولات لا قيمة لها، ومواقف نقدية عبارة عن انطباعات لا ترقى إلى الموقف النقدي المؤثث معرفيا وجماليا.
وسيلة للسطو على أفكار الآخرين
وفي سؤالنا حول مساوئ الأدب الالكتروني وعلى رأسها القرصنة، وإن كان هناك حل للسرقات الأدبية على الإنترنت، أكد محدثنا بأن القرصنة ظاهرة قديمة يصعب القضاء عليها بشكل جذري، وهي معروفة في الكتابات الورقية، سواء في حقل الإبداع أو في حقل الدراسات النقدي، معتبرا أن الأدب الإلكتروني ساهم في استفحال السرقة وتقويتها بشكل كبير، ما يدعو  ـ حسبه ـ إلى التفكير مليا في النتائج القادمة.
وأضاف بوطاجين أننا بحاجة إلى أخلقة هذا الابتكار الحضاري الذي سيصبح غدا مع الوقت، وسيلة للسطو على أفكار الآخرين وجهودهم، قائلا “لا يوجد حل محدد ونهائي لهذا المشكل المتواتر. المسألة، في اعتقادي، لها علاقة بالأشخاص، أي بالحياء، إن نحن أردنا أن نكون مباشرين ومنطقيين”. وأشار إلى أن البعض قد يلجأ إلى القضاء كحل أخير لإيقاف الظاهرة المتنامية، مؤكدا أن هناك تجاوزات لا يمكن عدم الانتباه إليها كقراء، على اعتبار أن الناس الذين لا عبقرية لهم يستطيعون القيام بأي شيء ليُحسبوا على الفكر والإبداع، وليكونوا مهمَين في حقول لم يخلقوا لها، “لنسمي ذلك سطوا على الموهبة والعبقرية”.
الروائي السعيد بوطاجين يقول إنه لا يتصور إطلاقا أن تحل الكتابة الإلكترونية محل الكتاب لأسباب لا حصر لها. أما أولاها فيتمثل في العلاقة الحميمة بين العين واليد والحواس والورقة، الأمر الذي لا توفره الشاشة لاعتبارات كثيرة. كما أن الكتاب ـ يضيف ـ قادر على السفر والحركة، وهو إضافة إلى ذلك، يوفر متعة التعامل مع الحبر والورق واللون والغلاف والقدرة على التركيز. أما الكتابة الإلكترونية، رغم أهميتها، فإنها لا توفر هذه العلاقة القديمة التي لم يحدث أن تجاوزها تاريخ القراءة، مشيرا إلى أن هذا ليس

جزما، وإنما الدراسات الحديثة تذهب إلى ذلك. وأكد الروائي أنه لا يمكن غلق المكتبات والمطابع، وأن شبكات التواصل أجزاء، أما الكتاب فكل، كتلة من العلامات والمشاعر التي لا يمكن تجاوزها بسهولة، وأضاف بأنه صديق فعلي، حاضر في كل الأزمنة والأمكنة، على عكس الوسائل الأخرى التي تبدو مساعدة، ليس إلاَ، لكنها ليست كلية الحضور.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024