أغاني ثورية وأخرى عن شباب الخدمة الوطنية في معسكر

منطقة بني شقران تسابق الزمن وتسجل مجد تراثها بامتياز

معسكر : أم الخير . س

مازالت الأغنية التراثية يقام لها الحضور والطقوس من خلال الأعراس التقليدية بمعسكر تحتفظ بروافدها الثقافية والتراثية، ويعنى بالأعراس التقليدية تلك التي ما زالت تحافظ على ما توارث من تقاليد الفرح وتقام فوق أسطح المنازل أو في ساحاتها الصغيرة، هناك تفرش الزرابي وتقدم مأدبات الأكل على موائد تجمع حولها النساء والأهل في جلسة تغيب عنها البروتوكولات المعمول بها في قاعات الحفلات التي صارت في الآونة الأخيرة تزاحم الأعراس التقليدية حتى كادت تخفي الوجه المشرف لأعراس الجزائريين، حين تجتمع الألفة بالتواضع والمحبة وصلة الرحم.
«الشعب” وبطبيعة الحال، كان لها شرف الحضور لأحد أفراح معسكر التقليدية بمراسيمها الكاملة، من جلسة الحنة و«التبراح” بجهاز العروس ومهرها أمام الحضور، إلى لحظات مغادرة الأهل والأحباب وهم يضعون في كفّ الوالدة أو صاحبة الفرح قيمة مالية ترمز لتقاليد مبادلة التهاني والتباريك، بعض العائلات هنا صارت تعمد إلى العودة في الزمن و المضي على خطى الأمهات، في إقامة الأفراح، في مشهد تزاوج فيه أصالة التقاليد، معاصرة الأجيال، طلبا للبركة، ليبقى الفرح العميق والمتقاسم مع أهل الفرح والحضور الغائب الأكبر، وعن الموضوع الخالة فاطمة أجابتني قائلة “أننا مثل الحجل جا يمشي كي البراك، نسى مشيتو”، هكذا شاءت الخالة فاطمة أن تصف الأمور وفي حديثها حزن ظاهر، حيث تحدثت عن أفراحنا التي فقدت الكثير من المواصفات بسبب التكلف والتقليد، ومنها ما اعتاد الناس عليه في الأفراح، ففي معسكر فقدت أفراح الختان والزفاف بريقها وأهازيجها المليئة بزغاريد النسوة والطبول الممزوجة بترنيمات لها معاني خالصة ولها من الوقع الطيب في القلوب، ما يعود بالقارئ إلى زمن جميل ليس ببعيد،

بوزيان القلعي يجمع حرائر بني شقران  

الحاجة “الزهرة” هي الأخرى حدثتنا عن تلك الأغاني التي كان يردّدها النسوة في الأفراح، وهي أغاني من التراث تحكي التاريخ وتروي القصص، وتحدّثت عن أعراس الجيران الذين كانوا بمثابة الأهل المقربين، بيت واحد وقدر واحدة يتقاسم فيها الجيران محبتهم ورغيف خبزهم، وحدثتني الحاجة “الزهرة” عن تلك الأغاني التي تداولت بين النسوة والصبايا في زمنهم، كلما اقترب موعد زفاف أحد من الجيران، اجتمعت النسوة لتحضير مراسيم العرس بدون ملل ولا شيء من الضغينة أو ما يشوب النفوس من حسد، لم يكن حسب حديثها في زمن غير بعيد وجود لعين الحاسد، مهر العروس وجهازها كان يشهر أمام الجميع، أقرباء كانوا أو غرباء، وتواصل الحاجة “الزهرة” حديثها، كنا نغني جماعيا، أغاني ليست مرتبة ولا معدة سابقا، بوسائل بسيطة، وإن تلعثمت واحدة منا، عقبت عليها الأخرى بدون خلل وواصلت الغناء، وإن كثر استعمال “الدربوكة والطبل”، فالدلاء كانت أكثر وسيلة تستعمل لإنشاد الأغنية، وكانت تذكر الحاجة “الزهرة” أغنية من التراث المحلي، لبطل من الأغنية ألام الزوجة التي حضّرت لزوجها ذات ليلة طاولة طعام العشاء قبل أن  يلقى عليه القبض من طرف عساكر الجيش الفرنسي، ولا تعد الأغنية الوحيدة التي تغنت بالأبطال أثناء الثورة.
أبطال الثورة الجزائرية المباركة، الشهيد “بوزيان القلعي “ الذي ألقي عليه القبض في معركة بني شقران، وتقول الأغنية بريتمها الخفيف “بوزيان القلعي كي ضرني في قلبي، خلا الطعام مسقي وخلا البيض منقي ..خلا الفراش مطرح”، وكان بوزيان القلعي أحد الثوار الجزائريين الأبرار، كافح العدو على ظهر فرسه في شعاب بني شقران الوعرة والمنخفضة، وتمت الإطاحة به في إحدى الليالي الحالكات حين نزل ببيته ليطمئن على زوجته، حسبما تذكره أغلب الروايات التاريخية على لسان الأمهات والجدات، والأغنية في حدّ ذاتها ما زالت تذكر على لسان آخر الأجيال التي حضرت السنوات الأخيرة للثورة وبعد الاستقلال، حيث تروي الأغنية ألام الزوجة التي حضرت لزوجها ذات ليلة طاولة طعام العشاء قبل أن  يلقى عليه القبض من طرف عساكر الجيش الفرنسي، ولا تعد الأغنية الوحيدة التي تغنت بالأبطال أثناء الثورة، وردّدها نسوة جيل الثورة، في الأعراس ومختلف حفلات الختان والارتباط وحتى في حملات جني المحاصيل الزراعية، غير أنها أشهر الأغاني المعروفة بمنطقة معسكر، التي أخذت من مقاطعها ووقعها الموسيقي الخفيف، قاعدة لأغاني جديدة تتغزل بها النساء بالرجال فتروي شجاعتهم وقوّتهم بدون تحفظ بالرغم من الالتزام العقائدي والاجتماعي، على غرار أغاني عن رجال الشرطة وشباب الخدمة الوطنية تقول إحداها “قولوا لامه تصبر عليه، لارمي راه يدرب فيه، أمه تبكي وأنا نبكي ..عزيزي راح ما يولي” وأغنية عن رجل الشرطة التي تغزلت به المرأة “خويا بوخانة زرق البالطو ..ريضو لي نسلم عليه، شلاغمه نعناع فالمرشي ينباع ..خويا أرواح أرواح عيب انأ نجي.. إلى آخر الأغنية، و باعتبار أن أغلب هذه الأغاني ذات الدلالات الغزلية - متجذرة في التراث المحلي  ومتداولة بين الناس إلى يومنا هذا خاصة في المناطق الريفية التي لا تزال تحافظ على الطابع التقليدي للمنطقة، هذا الطابع الذي يتميز من جهة أخرى ببعض هوامش طبيعة المنطقة المحافظة والملتزمة، لكن في الأعراس يرفع  الحظر عن القول الممنوع ولا حدود هناك لحرية التعبير أو الغناء باستعمال كلمات ذات دلالات غزلية تميل إلى المجون.

الأغاني التراثية تعود في قالب موسيقي جديد

هذه الأغاني وأخرى تداولت طيلة ثلاثين سنة بعد الاستقلال، وبتطور الأزمان، لم تندثر الأغاني التراثية ولم تزل، حيث أخذت من دلالاتها وكلماتها أسس الأغنية الشعبية وأغاني “المداحات”، التي اشتهرت كثيرا في 20 سنة الماضية وعادت مؤخرا بقوة إلى ميادين الفرح، فمن أغنية قديمة تداولت في الستينيات تقول” الجدارمي الله يهديك خليني نفوت أنا وخويا” جاءت أغنية أخرى قبل سنوات في نوع موسيقي “العرايبي” متميز في المنطقة الغربية من الوطن تقول”، فضلا عن عدة أغاني أخرى جاءت في قالب موسيقي وغنائي عصري على غرار الأغاني التراثية التي أعاد تأديتها شيوخ القصبة والقلال، على غرار أغنية “أنا وغزالي في الجبل نلقطو فالنوار”.
 مجموعة المداحات أيضا ليست فرقة غنائية منظمة أو متطورة، لكنها البديل التقليدي الوحيد الذي يمكن أن يحافظ على الأغنية التراثية، بوسائل موسيقية بسيطة وتقنيات صوت منعدمة كليا، إذ تعتمد فقط على 3 أو 4 أشخاص يرددون فيما بينهم مقاطع الأغاني التراثية، يبدلون ويغيرون، قد يحولون الأغنية الأصلية لكنهم يمتعون جمهورهم، ويعودون بهم إلى التاريخ.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024