الفنان عبد المجيد عبد العزيز لـ“الشعب”

ترشيد النفقات .. تفجير طاقات الفنان الهاوي والبقاء للأصلح

معسكر : أم الخير .س

من الطبيعي أن تنعكس الأزمة الاقتصادية على الإنتاج الفني والحركية الثقافية، خاصة إذا ما كان يعتمد أغلب الفاعلين في القطاع الثقافي من إدارة أو جمعيات ونوادي على الإعانات السنوية التي تمنح لهم، الأمر الذي يجعل الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية شبيهة بالإمتحان الذي تنتقى منه النخب الفنية عن غيرها عبر طريق الخلاص الصعب، في ظلّ شح الإمكانات المادية التي تعتبر أحد خلفيات نجاح أي إنتاج فني ..
وذلك ليس تحليلا مجحفا في حق رواد الفنون، لكن إقرارًا بواقع صار الفاعلون فيه يربطون أي خطوة نحو تقديم العروض الجيدة بالمبالغ المالية الضخمة والمنطق يفرض من جهته أن الفن الناجح يحتاج إلى جرعة إرادة زيادة على الإبداع خلافا ما يرتكز عليه في الظن أن الفن يحتاج إلى تمويل مالي.
التقشف لن يضر بالأنشطة المسرحية
عن الموضوع حدثنا رئيس جمعية الفن الرابع بمعسكر الفنان صاحب مونولوغ “الكلب المداح” عبد المجيد عبد العزيز، مؤكدا أن التقشف يخلق المواهب ويفجّر الطاقات الفنية الكامنة التي غُيّبت ـ مردفا بالقول ـ إن البقاء للأصلح في هذه الظروف التي تغربل الواقع الفني الثقافي من الدخلاء والباحثين عن الربح المادي، واعتبر عبد المجيد عبد العزيز توفر الهياكل الثقافية وتوزيع الأعمال الفنية أهم عامل لنجاح الحركة الفنية والمسرحية على وجه الخصوص، مؤكد انه لا مانع مادي لتفجير الطاقات ودفع المواهب في ظلّ توفر الهياكل، مشيرا أن المسارح الجهوية اغتالت بتسييرها العشوائي الحركة المسرحية والآن على ـ حدّ قوله ـ أصبحت مطالبة بالعمل مع الهواة، موضحا أن المسرحية التي تكلف أموالا طائلة بالمسارح الجهوية، تتطلب مبلغ ضئيل لقاء توفير الملابس والمستلزمات مع الجمعيات والنوادي المسرحية التي غالبا ما تعتمد على إمكانياتها الخاصة في الإنتاج، وأكد الفنان أمام الوضع القائم أن الجمعيات مطالبة بإنتاج أعمال جادة وعرضها والاستثمار فيها ولو بقيمة رمزية كما كان الحال قبل صدور قانون تنظيم الجمعيات، واستدرج الفنان المسرحي ذاكرته بالحديث عن التراث الثقافي الجزائري المليء بالانجازات الفنية والمسرحية التي لا تتطلّب أموال ضخمة، مشيرا إلى مسرحية “الكلب المداح” لمحمد مقدم الجزائري في سنة 1988 والتي حظيت بالتشويق والإعجاب خلال 500 عرض لها عبر الوطن ومازالت تحظى بالإعجاب نفسه، حيث تعتمد المسرحية على طاقة الممثل وأدائه الجاد والديكور الفقير.
جمعيات مسرحية تعتمد على التمويل الذاتي لنشاطاتها
ولا تعتمد جمعية الفن الرابع ـ حسب مسؤولها عبد المجيد عبد العزيز ـ كثيرا على إعانات السلطات التي انقطعت عنها منذ فترة طويلة، حيث واصلت الجمعية عملها بإنتاج 11 عملا مسرحيا منذ 2001، ومشاركات عدة بالمحافل الوطنية والمحلية، وتحضر الجمعية حاليا لمسرحية “الرجل والثعلب” بعد فروغها من مسرحية موجهة لفئة الأطفال بعنوان “سنبل والمهرج”، وحسب الفنان في حديثه لـ«الشعب”، أن المسرح هو ممارسة للهوية والهواية ولا يمكن بشكل أو بآخر أن يستمر بدون دفع معنوي، مستبعدا أن يكون الدافع المادي سرّ نجاح الحركة المسرحية. وعن ما يجب التماشي معه كديناميكية فعالة لتفادي جمود الحركية الثقافية بسبب الأزمة الاقتصادية قال الفنان عبد المجيد عبد العزيز، أن الجهات الرسمية المشرفة على قطاع الثقافة والشبيبة والرياضة إلى البلديات، عليها المساهمة في تفعيل نشاط جمعيات المسرح من خلال تركيز الجهود على توزيع الأعمال المسرحية المنتجة من قبل الجمعيات المحلية، موضحا أن 4 جمعيات ثقافية للمسرح بمعسكر لديها أعمال مسرحية هامة لم تطلب أبدا إعانة مالية، إنما تطالب فقط بالمساعدة على إبراز جهودها وأعمالها المسرحية من خلال توزيعها عبر المراكز الثقافية للولاية بهدف تشجيع الإنتاج المسرحي.  وأوضح الفنان أيضا أنه ضد مجانية تقديم العروض المسرحية، دون مخافة عزوف الجمهور، وقد حلل عبد المجيد فكرته بالقول أن الجمهور يعزف عن حضور العروض الرديئة وليس بسبب القيمة المالية الرمزية، مضيفا أن دفع قيمة مالية رمزية لحضور عرض مسرحي يعزز ثقافة المسرح لدى الجمهور ويجعله منضبطا ومجبرا على حضور كامل العرض، كما من شأن هذه المبالغ المالية الرمزية أن تنعش صندوق الجمعية وتحفزها على إقامة المبادرات الفنية في الوقت الذي  تغيب فيه ثقافة الدعم لدى الصناعيين والمؤسسات الاقتصادية من خلال الرعاية المالية لأنشطة الجمعيات.    كما هو نموذج للإبداع الفني والمسرحي، هنا في هذا الجحر المظلم، الذي تضيئه أنوار المصابيح الخافتة يحلو الإبداع لنخبة من الشباب الهاوي لأب الفنون، وتضفي عليه أشعة الشمس النافذة عبر القوس شاعرية لا مثيل لها وكأنها تحاول أن تكشف عن حقائق يحتاج إليها الفن وهو يتخبّط تحت ضرب سياط الأزمة الاقتصادية.
فمسرح “القوس” الواقع بحديقة باستور له تقاسيمه التاريخية أيضا هنا كانت تقام حفلات الكولون ومن هنا خرجت إلى النور عدة أعمال أدبية كما ظلّ مسرح القوس قبلة لرواد الفن والأدب الجزائري حين تمسك أماكن الدنيا عن استضافة الوحي الفني والأدبي، وعلى حاله اليوم لم يتغير مسرح القوس في شكله وروحانيته حتى الأشخاص من النخبة الفنية المبدعة لا يختلفون في طبيعته وشخصياتهم عن الكبار، وكأن المكان يختارهم، وذلك الفنان المسرحي الهاوي. حسين مختار صاحب 27 سنة واحد منهم، يحاول بالإمكانات القليلة الموجودة أن يصنع ويرتقي بما تصنع يداه على غرار ما فعله في مسرحية “جرعة” التي حازت على تتويج أحسن عمل فني مبدع في مهرجان المسرح المحترف بسيدي بلعباس. ويقول حسين مختار إن الإرادة وحب المسرح أكثر الأمور التي تغذي هذا الفن، والماديات ـ حسبه ـ أمور ثانوية لا بد منها في الشق المتعلق بتسيير الفرقة وتسهيل تنقلاتها لإقامة العروض، أما من جهة فقد تمكّن مسرح القوس خلال شهر رمضان الماضي من إمتاع جمهوره الوفي بعروض مسرحية لـ15 فرقة هاوية من مختلف ربوع الوطن، أدت عروضها بدون مقابل مادي، فقط شغفا بالمسرح ورغبة في استمرارية نشاطها الفني وممارسة هواية التمثيل المسرحي، وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء الفرقة المسرحية التابعة لجمعية الفن الرابع، وهم شلة من الإطارات العاملة في مجالات مختلفة، تسعى للنجاح بدون اعتبار العراقيل المادية التي قد تعيق إلى حد ما مسيرتهم الفنية، حيث يعتمدون في تنقلاتهم للمشاركة في التظاهرات الثقافية والفنية على مصادرهم المالية الشخصية، حيث قدّم هؤلاء عروضا مسرحية في مخيمات الصحراء الغربية وبعض المناطق المحررة منها، بدون مقابل.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024