المدينة القديمة بعنابة

عائلات تبحث عن التآخي والتآزر حفاظا على عادات وتقاليد الأجداد

عنابة: هدى بوعطيح

لا تختلف القصبة أو المدينة القديمة; كما يطلق عليها بعنابة، عن القصبات التي تتواجد بمختلف ربوع الوطن، سواء بعمرانها الأصيل الذي تتوزع عبر أزقته مختلف الصناعات التقليدية، كالفخار والخزف والزرابي.. أو العادات والتقاليد التي ما تزال تطبع يوميات أبناء القصبة من نساء ورجال.
بالرغم من الخطر الذي يهدIد قاطني المدينة القديمة بعنابة، بسبب قدم البنايات التي توشك على الانهيار في أي لحظة، إلا أن سكانها يعيشون يومياتهم بصفة عادية، داخل الحي الذي يحكي تاريخ بونة العريق، بهندسته المعمارية وأزقته الضيقة وأسواقه الشعبية، والذي يستقطب العديد من الزوار والسياح الأجانب.
ما تزال القلة من سكان الحي يعيشون على عادات وتقاليد توارثوها عن أجدادهم، حيث يسعون لحماية هذه العادات من الاندثار، وعلى رأسهم شيوخ المدينة القديمة، والذين يحافظون على عادات تركها لهم أجدادهم، على غرار صناعة الفخار والخزف، وبعض النسوة اللواتي حافظن على وجه الخصوص على اللباس الذي يميز نساء عنابة عن باقي النسوة في الوطن بارتدائهن للملاية التي تعبر عن تراثنا وهويتنا الوطنية، ومواصلة الحفاظ على التكافل والتآزر الاجتماعي.
المدينة رمز للتكافل والترابط الاجتماعي
«الشعب» خلال جولتها بالمدينة القديمة، وقفت عند آراء البعض من سكانها، والذين تحدثوا عن حياتهم وانشغالاتهم فضلا عن العادات التي ما تزال تطبع يومياتهم وأخرى اندثرت. وفي هذا الصدد، تأسفت الحاجة «يمينة» عن التقاليد والعادات التي تكاد تغيب عن أبناء الحي، قائلة بأن المدينة كانت رمزا للتكافل الاجتماعي والترابط فيما بين الجيران، وأشارت إلى أن العادات التي كانت تتميز بها المدينة القديمة تختفي اليوم تدريجيا، إلا بعض العائلات التي ما تزال تحافظ عليها وخصوصا العجائز.
وتحدثت الحاجة يمينة عن بعض هذه العادات، على غرار الزيارات فيما بين الجيران، قائلة بأن سكان القصبة أكثر ما كان يميزهم تبادل الزيارات، فإذا غاب أحدهم سأل الآخر عنه، كما أنه في الشهر الكريم ـ تقول الحاجة يمينة ـ والتي تبلغ من العمر 79 سنة، لا يمكن أن يمر يوم واحد دون قضاء سهراتنا عند إحدى العائلات، فضلا عن تبادل الأطباق فيما بيننا، مشيرة إلى أن بعض النسوة يحاولن الحفاظ على هذه العادات والتي تعتبر بمثابة صلة الرحم، وخلق تكافل وتآزر فيما بين الجزائريين.
الحاج محمد رابح، والذي يبيع الفخار، قال بأن المدينة القديمة لم تبق على حالها، حيث أغلب العادات اندثرت تماما والأخرى تكاد تختفي، مؤكدا أن أزقة القصبة كانت قديما بمثابة سوق شعبي لمختلف الصناعات التقليدية، غير أنها اختفت أغلبها كون الجيل الجديد ـ يقول الحاج محمد ـ لم يتمكن من الحفاظ عليها، أو لا يرغب في ذلك، حيث أن أغلب الشباب يفضلون التجارة السريعة، لذا تم تغيير أغلب المحلات من طرفهم، مؤكدا أنه سيعمل جاهدا على أن يحافظ أبنائه على مهنة صناعة الفخار، وستبقى إرثا لأحفاده، كونها تمثل هويته وهوية الشعب الجزائري بأكمله.
أما الحاج «موسى علاوي» فتأسف بدوره لغياب بعض العادات على غرار المقاهي الشعبية التي كانت تستقبل فرقا موسيقية، لا سيما في شهر رمضان والمولد النبوي الشريف، مشيرا إلى أن القصبة كانت تشتهر بالمديح والأغاني الشعبية والمالوف الذي ينتشر بمدينة عنابة.
وقال إن الهدف من هذه القعدات ليس فقط الترفيه والتسلية، وإنما لمّ شمل الأصدقاء والأحباب، وتربية الأجيال على تقاليدنا الشعبية العريقة، حتى لا تكون هناك عادات دخيلة علينا، مشيرا إلى أن القصبة تمثل هوية شعب بأكمله وهي رمز من رموز الدولة الجزائرية، وليست مجرد بنايات وهندسات معمارية تاريخية، متمنيا أن لا يندثر ما بقي من عادات وتقاليد حتى تتوارثها الأجيال القادمة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024