عين على المسرح

الإمبراطور

متابعة / نور الدين لعراجي

عمل مسرحي مقتبس من رواية «العادلون» للأديب العالمي ألبير كامي، اقتباس الأستاذ محمد دربال وتأدية فرقة المسرح الجهوي بسوق أهراس، تعدد الأداء الجيد للشخصيات الأربعة، الذي احتضنه مسرح محيي الدين بشطارزي بالعاصمة، وقد توزّعت العروض بين الشخصيات الأربعة على الخشبة فيما بقي ظل الإمبراطور متخفيا، ومجرد شخصية خيالية، يسعى الكل إلى الوصول إليها وقطع دابرها.
النص المسرحي المقتبس من مسرحية كامي تطرق إلى موضوع المقاومة المشروعة التي أصبحت في هذا العصر لصيقة بالإرهاب عند بعض الشعوب، ممّا أساء إلى المقاومة باعتبارها تصدي ضد القوى الظلامية الشمولية المتغطرسة، وهي بعيدة كل البعد عن الإرهاب الذي لا طعم ولا لون ولا وطنا له.  
نجح الممثل عتروس طارق في تقمص شخصية «بيبون» باعتباره مناضل شريف لكنه تحول إلى شخص آخر خاصة بعد أن خضع إلى التعذيب والقمع داخل المعتقل، ووقعت له حادثة تركت في نفسه آلاما كبيرة ليتحول من إنسان الى وحش لا يعترف إلا بآلة التدمير والقتل، وهو بذلك كان يتبنّى الغاية تبرر الوسيلة.
الشخصية الدموية التسلطية القمعية هذه انعكست سلبا على أبناء جيله من الشباب الذي كان يحلم بوطنه متحررا من كل أساليب الاحتلال، وكان سببا كافيا جعله يلتحق بصفوف المقاومة، وهي نفس الفكرة التي كان المقتبس يدور حولها، أما اللباس في سياق سيميائية الالوان يعكس شخصية الممثل «بيبون» ليس إلا، فلذلك كانت لغة اللون الأسود بقيت سائدة خلال مدة العرض الى غاية النهاية.
ثم إن الحديث عن التسلسل المنطقي للألوان خلال العرض، بمعنى أن المدة دامت ثلاثة أيام وتمت داخل قبو تحت الارض، لذلك الظروف لم تكن في أريحية واضحة زد أن وضعية بيبون لم تكن مطمئنة بحكم أنه فار من السجن والبحث عنه جار، وبالتالي الظروف لا تسمح بأبسط ضروريات الحياة،
أما الممثل سمير كبروت الذي أدى دور «يناك» فكان في تناسق تام مع الشخصية الاجتماعية للممثل مع دوره فوق الخشبة طبعا، وفي أي عرض مسرحي هي شخصية ثائرة، وبحكم أنه فنان يحب الجمال والشعر وكل ما له علاقة بالفن، جاء إيمانه بالثورة بهدف واحد هو تحرير الأمة من الإمبراطور.
 لذلك كانت شخصية «يناك» مشجّعة ومشاعره مسيطرة عليه عكس «بيبون»، حيث كثيرا ما كان يتشاجران بسبب الاختلاف بينهما الأول مشاعره تغلبه والآخر لا وجود للمشاعر أمام الاحتلال الذي يسكن خياله، فقتل الإمبراطور ليس من أجل الانتقام، بل من أجل خلاص الأمة منه، باعتبار أنه مستمد الشرعية من الأمة التي ينتمي إليها وهو ليس إرهابيا، بالرغم من الفواصل لتوظيف البراءة في الفصل الأخير من بدء عملية القضاء لذلك لا لقتل الأطفال والنساء .
الإرهاب لا دين له ولا لون ولا جنس
المسرحية هي تبرئة ذمّة من الإرهاب بمعنى لسنا إرهابيين، ولا يمكن القول لسنا مسلمين ولا مسيحيين ولا غيرها، لأن النص المسرحي هنا نص عالمي ومفتوح على الإنسانية جميعها، حتى الشخوص من الاسماء هي نفسها لم تتغير وبقيت كما هي غربية وليست شرقية، وحتى اللباس كان عاديا، لا توجد فيه مظاهر للحياة العربية الاسلامية مثلا.
العرض كان شيّقا وجعل الجمهور متجاوبا معه إلى أبعد حد من الانتظار والترقب إلى نهاية الإمبراطور، رغم صوت الحكمة الذي تفوق على لغة القتل، وتجنب قتل الأطفال والنساء التي حرمت الأديان جميعها قتلهم، الاقتباس كان يحمل بصمة الجمال والتلاقي مع الآخر، بعيدا عن الروتوشات والتوابل التي غالبا ما تحضر يغيب فيها الجمال ونفقد فيها متعة المشاهدة.
أخيرا...
«برافو» المسرح الجهوي طاغاست صنعتم الفرجة وقدّمتم فسحة مهربة من مسرحية «العائدون».

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024