عبد القادر بن دعماش لـ «الشعب»:

أيقونة وشمعة من الطّراز الأول سطع نجمهما في سماء الموسيقى والفن

حبيبة غريب

«عمر الزاهي: زهد في الحياة فطلّقها ثلاثا»

من مفارقات الحياة العجيبة أن من زهد فيها وتوارى طواعية عن الأنظار والإعلام، ورفض النجومية بكل بريقها ومزاياها وهرب من التكريمات، فعاش متواضعا بين أهل حيه والمقربين القلة منه، تلاحقه الشهرة مباشرة بعد وفاته ليخسف وقع رحيله عن الدنيا كل الأحداث العامة والراهنة، ولا يشغل حديث الكبير والصغير بكل ربوع الجزائر وخارجها سوى حدث وفاة الشيخ وأيقونة الشعبي عمر الزاهي رحمه الله، كما أن الغريب في الحياة أن من حمل اسم الزاهي أي الفرحان دوما وأطرب أجيالا وأجيالا من محبي الطرب الشعبي الأصيل عاش والحزن رفيقا له.

هذا المطرب المبدع العبقري الذي نحت اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الأغنية الشعبية الجزائرية، فغنّى وأطرب، وتألّق وتواضع وكان لبريقه تميز خاص في زمن الكبار حسب شهادة الإعلامي والباحث ورئيس المجلس الوطني للفنون والآداب، عبد القادر بن دعماش.
هو المطرب الأسطورة الذي تميز بموهبته الفذة وصوته المتميز،وعبقريته في اختيار القصيدة والتمعن في معانيها ومعرفة صاحبها قبل أن يغنيها ويقدمها لجمهوره الواسع، وتألق أكثر بتواضع شخصه ومحبته للناس الضعفاء والفقراء ومساعدتهم، توهّج نجمه عاليا، يقول بن دعماش في تصريح لـ «الشعب»: «في سماء الأغنية الشعبية، في زمن القامات الكبيرة أمثال الشيخ العنقا وعمر العشاب وحسن السعيد والشيخ قروابي وغيرهم والتي زاحمها بفنه وموهبته..وهو في سن مبكرة.
وبالرغم من ذلك لم يلبس الراحل عمار الزاهي لا الغرور ولا التكبر ولا حب الترف،» فقد تعرّفت عليه سنة 1968 - يضيف بن دعماش - وكنا نتبادل القصائد، فكان يتمتع بشيء زائد ميزه عن الغير، فالإضافة إلى اهتمامه الكبير بالشعر الملحون، وبالقصائد وفهم معانيها، فقد كان رجلا ذكيا للغاية دائما ما يبحث في عمق الكلمات، وهذا ما كان يحفّزني للتواصل معه دوما حتى الثمانينات، تاريخ بداية عزوفه التدريجي عن الساحة الفنية».
زهدت روحه الطيبة في الدنيا،  زهد عن النجومية والمادة والمال والأضواء الساطعة، فكان من القوة والحضور الفني ما يسمح له بملء ملعب 5 جويلية برمّته خلال حفل واحد، والسر في ذلك هو الموهبة الكبيرة التي خصه الله عز وجل بها في التواصل مع قلوب محبيه من خلال صوته المتميز وكلماته المنتقاة بذكاء وذوق كبير، فكانت لصوته ميزة وعذوبة زد على ذلك عبقريته».
عاش ومات متواضعا قنوعا بالقليل، متعاليا عن المال والشهرة والبريق، فهو من رفض أن يحصل على الأموال الطائلة التي كانت تنتظره بديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة والتي تقدر حسب بن دعماش بالملايين، كما رفض أن يأخذ الشيك الذي صاحب تكريمه سنة 2002 بالرغم من توسّلات وزيرة الثقافة خليدة تومي والراحل قروابي وأنا شخصيا، كما تنازل عن الشيك الضخم الذي قدم له في تكريم آخر سنة 2012، وهو التكريم الذي قدّم لشخصيات فنية وثقافية على قيد الحياة.
 الزّاهي اسم فني أعطاه إيّاه كمال حمادي
 وعن الشخصيات التي عايشها الفنان الراحل وتركت أثرا على مسيرته الفنية، ذكر عبد القادر بن دعماش «حب الزاهي الكبير للشيخ بوجمعة العنقيس وللشيخ حمدان القبائلي الذي ليس بالمعروف كثيرا عند الجمهور بالرغم من أنه له فضل كبير في تعليم كبار مطربي الشعبي، والشيخ محمد أرحو الذي كان يتابعه من بعيد، هيّأه للمضي قدما في مجال الأغنية الشعبية والتميز وهو في سن مبكرة بصوته الشجي الفريد، وكان هذا في فترة ما قبل الاستقلال».
ودخل حياته بعد الاستقلال العملاق كاتب الأغاني والملحن  محبوب باتي، الذي عندما تعرف على قدرات صوته ومميزاته غير العادية، فقدم له أربع أغاني هي «ديك الشمعة لحرقتني»، «ما حاجتي بضي الشمع»، «سالي طراش قلبي يعطيك اخبارو» و»يا العدرة نظرة عينيك باينة»، والتي ذهب لتسجيلها عند الناشر  نجوم الفنان، وكان عمر يعرف فنيا في بدايته باسم عمر العنقيس واسمه الحقيق ايت زاي عمر، وكان معهما في الاستوديو كمال حمادي، الذي اقترح تسمية عمر الزاهي، لينطلق اسمه الفني الذي عرف به حتى وافته المنية آخر يوم من شهر نوفمبر 2016.
و»كانت هذه الانطلاقة باسم عمر الزاهي سنة 1968، هذه السنة التي أصدر فيها الاسطوانة بأغاني محبوب باتي، والتي لاقت نجاحا كبيرا، وكانت السنة أيضا موعدا للتحضير للعديد من التظاهرات الثقافية الكبرى انطلق معها نجم عمر الزاهي ليتلألأ أكثر في سماء الأغنية الشعبية، ويبرز

ويملك قلوب المحبين في كامل أرجاء الوطن، وهنا جاء دور الحاج بوجمعة فرقان، الذي ساعد الزاهي في تهذيب جوقه الموسيقي وإعطائه عديد النصائح الفنية التي سمحت له بالبروز أكثر، وبعدها التقى بمصطفى اسكندراني فاكتملت صورة الفنان الموهبة وبرق نجمه عاليا في سماء الأغنية الشعبية ففاقت أغانيه الخالدة إنتاج العمالقة الكبار».

حفل الوداع سنة 1987 بقاعة ابن خلدون
 كنا يقول بن دعماش، «عمر الزاهي وأنا نتبادل القصائد وكنت أزوره كل مرة آتي فيها إلى العاصمة وكان العمل معه في غاية الروعة كونه حريصا دائما على التمعن في فحوى
القصائد قبل القبول بها، وقد دام بريق نجم الشيخ عمر الزاهي حتى شهر أفريل 1987، حيت أحيا حفلا كبيرا بقاعة ابن خلدون التي كانت مكتظة بكاملها وكان الجوق الموسيقى بقيادة مصطفى اسكندراني».
وكان هذا الحفل هو آخر ظهور فني له، يضيف المتحدث، «لتبدأ تدريجيا رحلة اعتزاله عن الساحة الفنية، وجاءت العشرية السوداء التي همشت الفن والثقافة بالجزائر، وبهت نجم الزاهي ليعود لجمهوره بداية 2001 من خلال إحياء الأعراس والحفلات الخاصة بعيدا عن الأضواء والكاميرات، وبقي على هذه الحال حتى وافته المنية يوم الأربعاء 30 نوفمبر 2016».
إنّه الراحل الشيخ عمر الزاهي، «الذي عاش الحزن واليتم منذ صغر سنه وعانى من هجر أبيه له ولأخوته وتحسر من رحيل أحبته، ومن وقوف البعض في وجه مشروع حياته بالزواج وتكوين أسرة» - حسب بن دعماش - فهو من فضّل الانزواء على نفسه والوحدة والابتعاد عن الأضواء ليخصص كل ما يملك في خدمة المحتاجين، وإعطاء الأمل للشباب ولمحبّيه من خلال أغانيه الرائعة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024