الدكتور : محمد الأمين بحري

الأعمــــــــال المأجــــــورة.. أعمــــــال مهجــــــــــورة

يبدو أن تتويج الأعمال الأدبية عموماً سيف له حدان؛ فمن جهة يحقق دفعاً معنوياً أكثر منه مادياً للقلم المتوج، لكن للأسف لا يكون ترويجه هذا سوى من الناحية الافتراضية وليس الواقعية، لأن على صعيد الواقع المادي يوجد منطق آخر، وإكراهات أخرى، ورياح تجري بما لا يشتهي المتوج وعمله.. ولا عجب هنا إن قلنا بأن البقاء ليس للأصلح ولا للأفضل، بل إن الأمر على نقيض ذلك تماماً على الصعيد الأكاديمي الذي هو مظنة كل عمل أدبي ناجح.

فمن جهة يتساءل الكثير من الأدباء والمثقفين عن سبب عدم تناول أعمالهم المتوجة على الصعيد الأكاديمي بحثاُ ودراسة، على الرغم من كونها على كل لسان وعلى أكثر من منبر إعلامي؟ بينما يُلاحظ بأن الأعمال المهيمنة على البحث الأكاديمي في مذكرات الطلبة ورسائلهم، لم تحظ بأي تتويج. ولم تعرف أي ترويج؟؟
لعلّ الإكراه المباشر هو عدم وصول هذه الأعمال المتوجة إلى يد الباحث في حينها أو بالأحرى في مواسمها.. بل أحياناً لا تصل إلا بعد أفول بريقها، وانغمارها بعناوين أخرى جديدة في عرف الترويج الإعلامي. ومن جهة ثانية يجب أن نشير إلى أزمة ضعف أو انعدام سياسة التوزيع لدى دور النشر العمومية والخاصة. والمسألة تبدو أوضح تعبيراً حين نلتفت إلى الشريحة الأكبر من الطلبة في المناطق الداخلية، والجنوب. حيث يكون الموزع الوحيد للأعمال المطروحة على الساحة هو الأستاذ الذي يتحمل مشاق السفر ويأتي لطلبته بما وجد من مادة في معارض الكتب الوطنية والدولية المقامة في المدن الكبرى والتي لا تتعدى في أحسن الحالات النسخة الواحدة أو النسختين. والمأزق الأعمق: كم يوجد في الجامعات الوطنية من أساتذة يسافرون من أجل مواكبة جديد الكتاب، ويعملون عمل الشرايين لنقل أبرز الأعمال واحدثها إلى طلبتهم، مما أوصل الوضع إلى تأخر المنجزات المتوجة والمتميزة والرائجة إلى قارئها الأكاديمي بسنوات طويلة، حتى تكسد صلاحيتها. أو بالأحرى بعد أن تصير قديمة، بالنظر إلى الكم الهائل من المنجزات المحدثة والجديدة مع كل موسم.
ولعلّ الإكراه الأبرز الذي يمكن أن نجد فيه جواباً لهذا الاستشكال يكمن في السياسات الأكاديمية، التي جعلت من البحث العلمي بمختلف مستوياته بحثاُ رمزياً. رأس ماله رزنامة إنهاء المذكرات وصرامة مواعيد المناقشة. مما يجعل الطالب الباحث يضع أولى أولوياته قدسية الوفاء بآجال المناقشة أكثر من العناية بموضمون ومادة بحثه. ومن هنا صارت الأعمال الأكثر سطحية والأقل حجماً، والأبسط خطاباً هي الأقرب للفهم المباشر والسريع وبالتالي التناول الأيسر والتطبيق الأسرع للمناهج الدراسية والمنظورات البحثية. ولا توجد لقمة أصيغ لهذه الفئة من الباحثين سوى الأعمال المدروسة سابقاً (ظاهرة الانتحال والتركرار)، وليست الأعمال الجديدة. التي يهابها الباحث المستعجل. وكل هذه الانحرافات تأتي طبعاً على حساب الأعمال العميقة والأصيلة والثرية والجديدة شكلاً ومضمونا، التي جعلتها هذه المواصفات في مستوى التتويج والاستحقاق في الجوائز.
كما يمكن أن نذكر على سبيل التمثل لا الحصر، مسألة تناقض سياسات التعليم وطرائق التدريس في أجيال البرامج التدريسية الجديدة مع المقروئية، وتنميتها لدى المتعلمين. بل أحياناً تبدو حرباً معلنة على فعل القراءة الذي، يجعل المتعلم لدينا يعجز طوال السنة عن إكمال قراءة الكتاب المدرسي المبرمج له، بل كثيراً ما تنتهي السنة الدراسية دون أن يعرف المتعلم بقية محاور كتابه المدرسي، فكيف نطالبه بمطالعة الأعمال الأدبية الأخرى، ونحن نحارب فيه ملكة القراءة بكل الوسائل؟؟ ذلكم هو قارئ اليوم وأستاذ الغد ومثقف المستقبل ..

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19464

العدد 19464

الثلاثاء 07 ماي 2024
العدد 19463

العدد 19463

الإثنين 06 ماي 2024
العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024