الدّفاع القومي الجزائري في القرن الحادي والعشرين

بين الوحدة الإستراتيجية السّيادية وتحوّلات المصفوفة العسكرية الدولية

بقلم: نور الدين لعراجي

جامعة قاصدي مرباح تسابق الزّمن وتصنع الحدث..الوطن آمن

لم تكن الرّحلة من الجزائر العاصمة إلى مدينة ورقلة، لحضور الملتقى الدولي حول سياسات الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الاقليمية، وليدة التحضير المسبق أو الاستعداد القبلي لحضور هذا الموعد العلمي والأكاديمي الذي احتضنته عاصمة الاقتصاد الوطني الجزائري ورقلة باعتبارها تحتوي على أكبر مجمّع بترولي في الجزائر وهو حاسي مسعود، وتمتد إلى غاية الحدود مع أكبر مجمّع للغاز الطبيعي في مدينة  عين امناس.
ورقلة من السماء تتراءى كقطعة زبرجدية مهرّبة من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث كثبان الرمال الممتدة عبر طول الساحل الصحراوي مشكلة أجساما ورسومات من صنع الخالق الذي أحسن صنعه، فتارة تظهر كأنها أنهار من مياه مترسّبة يعكر صفوتها ذلك السراب العابر، ومرة تشبه النساء الثكلى وهن في مجمّع نسوي يتعطرّن للقاء العروس الوافدة على بيوتهن وفي حضن عشيرتهن، يجهلن ملامحها كما يجهل التائه وسط الرمال بأنها مغرية، بقدر ما هي صعبة المراس، لحظة الضياع وسطها، وتعطّل البوصلة، فكل الاتجاهات تشبه بعضها حد الجزم واليقين.
فمن كثرة الملاءات الموضوعة على رؤوسهن، تغطّي وجوههن تلك الأحزمة من جريد النخيل المائل الى الصفرة البائسة، وممّا يزيد المكان نطقا هو ذلك التنوع في أحجامها وأشكالها ليكبر من بعيد كأنه يقترب منك، وبعد إمعان النظر جيدا تدرك للوهلة الألف أن ذلك من صنع الخالق، وإن كانت الألواح المعروضة طبيعيا لا تشوبها عيوب الهندسة أو رسومات ولا النحت.
ورقلة المدينة من على ظهر الطائرة تظهر لك أيضا قوافل الإبل الهائمة في هذه البراري من الصحراء باحثة عن الكلأ، وهي تسير مئات الآلاف من الأميال في هذه الربوع لتعود من جديد إلى أوطانها في رحلة الشتاء والصيف، للتزاوج والتكاثر والبحث عن مواطن العشب والأشواك فهي لا تكاد تظهر امامك لامتزاج الألوان وهبوب تلك النسمات المبعثرة من رياح المنطقة، مع بعضها البعض، ولولا تحركاتها المتواصلة جماعات متفرقة لما أدركتها، على حقيقتها تلك. غير بعيد على طول هذا الامتداد تظهر أيضا بعض القطعان من الحيوانات البرية الصحراوية تكاد تختفي في الرمال ولا تعرف لها شبها سوى بالغزلان المنقرضة أو المتخفية خوفا من وحوشا عابرة بشرية كانت وراء صيدها أو من بني جلدتها تحسبها أكلا شهيا فتنقض عليها كما ينقض الجائع على لحمة صائغة، لذلك لا تكاد تراها معزولة، وتتوارى عن الأعين كما يتوارى الجريح عن القطيع إما ليموت حرقة، أو يعتاد حياة الفرقة.
غير بعيد عن هذه المناظر الساحرة تظهر ورقلة من بعيد كغوط  معزول عن المدينة تحيط بها جنان النخيل تمتد سيقانها إلى أعماق الارض مشكلة لوحة فنية متميزة حد الذهول، فاتحة  فرصة  للمتعة والتأمل، ولولا تلك التجمعات الكبيرة من العمارات التي بدأت تختزل زمن المدينة وتسابق تاريخا مغيرة من حجمها وبنيتها العمرانية ونمطها التقليدي باعتبارها واحة كبيرة، لما أدركت أنك تسبح فوق عاصمة النفط ورقلة ليفاجئك  بعد ذلك صوت محركات الطائرة واضعا نقطة توقف لقبض الأنفاس، وتغيير الوجهة والأعين نحو ما سيكون الاعلان حوله، وما هي إلا لحظات متتالية يفاجئك صوت قائدها معلنا وصولها إلى أرضية مطار عين البيضاء الدولي بورقلة.
ورقلة القطعة المهربة من جغرافية البلد، قلب الوطن النابض جاءت لتقرب المسافات التي تبعد بمئات الكيلومترات، بين الشمال والجنوب وها هي تفتح أحضان مدينتها وتاريخها  لتقول للعالم بأنها وطن الامن والسلام والأمن، ولا غرر أنها تكون نافذة جديدة للعالم حتى يتمكن من معرفة حقيقة  السلام في الجزائر، ويعيد للصحراء وجهها الذي حاولت بعض الأوساط ووسائل الاعلام تشويهه، والمساس من قدسية هذه المنطقة الاقتصادية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024