القاصــــة غــــزلان هاشمــــي لـ"الشعــــب"

دورة الإبداع لا تكتمل في غياب نقد بنّاء وفعال

حاورتها: هدى بوعطيح

أكدت القاصة والأستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس غزلان هاشمي في حوار لـ"الشعب" أن الممارسة النقدية الجزائرية تنقصها الثقة والجرأة، لذلك لم تتجاوز خطاب الآخر النقدي والثقافي في كثير من الأحيان. وقالت إن النقد ممارسة تهدف إلى دفع المبدع إلى فهم منجزه الأدبي أكثر، ومن ثمة تبصيره ببعض الفلتات التي يقع فيها بغية التوجيه، مشيرة إلى أنها عملية تتعالى عن الانتقاص والتهميش، والقول باستغناء المبدع عن النقد فيه اصطفائية حمقاء لأنه يؤدي إلى النرجسية الثقافية التي تقتل الإبداع ومبدعه معا.

❊ الشعب:  كيف تقيمين طبيعة الممارسة النقدية في الجزائر، والتي يقال أنها أصبحت تابعة لمفاهيم ومعايير النقد الغربي؟.

❊❊ غزلان هاشمي: قبل الجواب على هذا التساؤل دعينا نحدد أولا مفهوم التبعية، وإطارها الحقيقي، إذ القول بانفصالية الفكر الإنساني فيه نوع من المغالاة، لأنه قائم في حقيقته على مفهومين: التجاور والتراكم، فأما المفهوم الأول فيفترض الاستفادة العلمية والوجودية المشتركة بين مختلف الآداب والثقافات ضمن حدود حضارات متجاورة زمنيا، وإن اختلفت في جوهر وجودها ورؤيتها وتطلعاتها، وأما المفهوم الثاني فيفترض استفادة كل موجود إنساني أو تكتل حضاري من المنجزات القبلية المتراكمة زمنيا فما الحضارات إلا بناء يقوم على حقيقة الخلف ـ كل وجود إنساني أو ثقافي جديد يخلف سابقه ـ من هنا فادعاء الانفصال والقطيعة لا أساس له، لأن التأثير والتأثر أساس انعطاف العلاقات البشرية نحو الاشتراك المبني على صيغة تفاهم.
لا ننفي حقيقة أن النقد الجزائري انبنى على جملة معايير غربية بل تمثل مرجعياته الفكرية، وهذا ما غيب خصوصية النقد عندنا، بل وفي كثير من الأحيان أثر في عملية التقييم والدراسة، وهذه مشكلة عامة، حيث مركزية الحضور الغربي أضفت إلى خلق وعي يغيب حدود الذات ومنجزاتها، بل وينظر إليها نظرة تحقير في حال المحاولة، من هنا يمكننا القول أن الممارسة النقدية الجزائرية تعوزها الثقة والجرأة لذلك لم تجاوز خطاب الآخر النقدي والثقافي في كثير من الأحيان. ونحن إذ عارضنا المغالاة التي تفترضها الدعوة إلى القطيعة المعرفية لا ندعو إلى نوع من المماثلة والتطابق الذي يقضي على خصوصية المنجز الأدبي والنقدي، وإنما تقبل الأمر تقبلا نقديا، وذلك بالاستفادة التي لا تمحي خصوصيتنا وإنما تؤسس انطلاقا، مما هو واقع آني نحو تحقيق أفق أوسع لتجربة نقدية جزائرية لا تعارض فيها بين المحلي والعالمي، وهذا يتطلب جهودا كبيرة بين كل الهيئات والمؤسسات الثقافية، التي تفترض تقديم توعية شاملة بخصوصية الذات وفق هذا العالم الكوني.
❊ هذا يعني أن النقد الجزائري اليوم يعرف تحولا في المفاهيم التي صارت غير قادرة على مواكبة العصر وتحولاته السريعة والمتجددة؟
❊❊ جواب هذا السؤال يرتبط ارتباطا وثيقا بما قلناه سابقا، فأي نقد يخضع لسلسلة تحولات مفروضة من السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي المحلي منه والعالمي، وعدم قدرة النقد الجزائري على مواكبة العصر وتحولاته السريعة نتيجة أمرين: الأمر الأول هو انقسام النقد إلى قسمين: قسم تأثري انطباعي يغيب حدود الموضوعية، إذ لا يرقى إلى مستوى الطرح الأكاديمي، لذلك فهو لا يجاوز الوصف ثم المجاملة أو الهجوم غير الموضوعي، وقسم إجرائي تكثفت فيه المفاهيم النقدية الغربية إلى حد التداخل خاصة مع تضارب الترجمات، وهذا ما جعل النقد عملية استعراضية أكثر منها تدارك وبناء.
وأما الأمر الثاني وهو محصلة للأمر الأول: أن التماثل والتطابق الذي فرضه القسم الثاني أفضى إلى تغييب الوعي بالمساءلة والمراجعة الفكرية لكثير من المفاهيم النقدية المستعارة، إذ تجدها بكامل محمولاتها قد أقحمت بشكل واضح في عملية النقد، حتى تحس أن النص في واد والنقد في واد آخر، وهذا العجز في إدراك المفاهيم وتطويرها أسهم في خلق جو يعم فيه الكسل المعرفي عند الكثير من النقاد الجزائريين، إذ تجدهم يتملصون من متابعة الأعمال الأدبية ويتجهون إلى التنظير فقط.
❊ إلى أي مدى يمكن للناقد أن يساهم في دفع الحركة الأدبية نحو التطور والتجديد، وإثراء الرصيد الأدبي والفكري؟
❊❊ أعتقد بأن دورة الإبداع لا تكتمل في غياب نقد جرئ وفعال، فالنقد ممارسة تهدف إلى دفع المبدع إلى فهم منجزه الأدبي أكثر، ومن ثمة تبصيره ببعض الفلتات التي يقع فيها بغية التوجيه، لهذا فهي عملية تتعالى عن الانتقاص والتهميش وتوجه الذائقة العامة توجيها دقيقا وفعالا، هذا الأمر يفترض المنافسة وتكثيف الجهود من أجل تطوير وتجديد الحركة الأدبية والفكرية، والقول باستغناء المبدع عن النقد فيه اصطفائية حمقاء، لأنه يؤدي إلى النرجسية الثقافية التي تقتل الإبداع ومبدعه معا.
❊ يشير البعض إلى أن النقد في الجزائر أصبح مبنيا على المحاباة، حيث يسهر الناقد على متابعة وقراءة أعمال أصدقائه، ليرتقي به إلى مصاف كبار الأدباء، وإذا ما اختار مجبرا قراءة عمل أدبي لكاتب لا يعرفه، فينكب على عمله نقدا وهجاء، ما رأيكم؟.
❊❊ هذه حقيقة مؤكدة للأسف، وإن كنا نجاوز التعميم ولا نفترضه إلا أن ما نلحظه هو تأسس النقد على سياسة المحاباة والمجاملة، فلا ينظر للعمل الأدبي بإمكاناته الجمالية ولا اعتباراته الإبداعية، وإنما ينظر لشخص المبدع الذي تطلق عليه الكثير من الألقاب الانتقائية على سبيل التفخيم وإن كان لا يستحق ذلك، بل قد تتم وفق هذه النظرة في الاتجاه المغاير تصفية الكثير من الأعمال تصفية فكرية، لحسابات موجودة بين المبدع والناقد في حال العداء، وهذا ما يغيب الموضوعية، ويؤثر على العملية النقدية تأثيرا سلبيا، إذ بقدر إسهامه في تغييب الأصوات الإبداعية الأصيلة، فإنه يروج لأسماء لا تستحق كل هذا التهويل والتطبيل. والأمر كله سيقضي على مصداقية النقد الجزائري.
❊ الكثير من الأدباء يعتبرون النقد انتقاص من مجهودهم، لذلك تتسم العلاقة بين الناقد والمبدع في كثير من الأحيان بالتوتر؟
❊❊ هذا أساسه كما ذكرت سابقا النرجسية الفكرية، فالتعالي هو ما تتسم به مواقف بعض المبدعين، الذين يرفضون توجيه أي ملاحظة تبين عيوب المنجز الأدبي مهما كانت ترهلاته، لذا فهم يفضلون القراءات الشارحة التي لا تجاوز حدود التبسيط الاصطلاحي للنص، والحديث عن سياقاته والتركيز أكثر على مبدعه، لتتحول العملية الإبداعية إلى صفقة شخصية بين الطرفين، وربما تفسير ذلك إضافة إلى ما قلناه هو تعمد بعض النقاد إلى الهجوم غير الموضوعي على العمل الأدبي بطريقة غير أخلاقية، إذ تطال شخصية المبدع في كثير من الأحيان، بوسمه بسمات الانتقاص والدونية، ومن هنا يتحول النقد إلى تصفية حسابات أكثر منه مراجعة. وهذا الأمر معروف أيضا بين النقاد أنفسهم، إذ يغيب الحوار العقلاني الذي يفترض ذكر الإيجابيات ثم الانتقال إلى السلبيات، ويحل محله التراشق اللفظي والملاسنة الكلامية.

1 تعليق

  • رابط التعليق رضا رضا 01 ماي 2013

    موضوع جدير بالطرح ..وجريء نحتاج للخوض فيه مرارا..عملية النقد تحتاج إلى فهم النقد. المشكلة ليست مشكلة كثرة إنتاج و إنما غربلة هذا الإنتاج بجرأة وموضوعية ،ودورة الإبداع تتوقف عندما يغيب الناقد (القارىء - المتلقي ) الجريء عن الساحة النقدية ليتحول الإنتاج إلى إنتاج آخر ..وتستمر عملية الإبداع ..

    تقرير

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024