أ - نواري بالة يضبط المفاهيم ويعدّد الأسباب:

العزوف عن القراءة والنقد أزمات تهدد الأدب الجزائري

باتنة: لموشي حمزة

نجاح النصوص يعني تقبلها في مواطنها الأصلية ثم ولوجها العالمية

اعتبر الأستاذ بقسم اللّغة العربية وآدابها بجامعة خنشلة بالة نواري أنّ المشهد الأدبي في الجزائر على الرغم من الحركية التي يعيشها، يشهد أزمة عزوف عن الكتابة وعزوف عن النشر وعزوف عن القراءة ثم عزوف عن النقد أيضا، وهذا العزوف أدى إلى واقع متأزّم من نواحي عدة، وجوانب شتى تبدأ بالمبدع نفسه لتنتهي بالقارئ، فأول مطبّات هذه الأزمة حسب ضيف جريدة “الشعب” الأستاذ الجامعي المختص في الأدب العربي بالة نواري، هي أزمة الإبداع إذ أنّ المبدع حبيس مناسبات ورؤى وأفكار مسبقة خاصة منها هاجس النشر، وهذا ما يؤدّي إلى إعاقة العملية الإبداعية، فلا تؤتى ثمارها إلا إرضاء لأطراف معينة تقع خارج حدود العملية الإبداعية.
أمّا المطب الثاني الذي يتخبّط فيه الأدب الجزائري يضيف الأستاذ بالة، فهو مطب النشر إذ أنّ الإبداع وإن لم يكن ظاهرة عامة، فهو على فلتاته التي تظهر من حين لآخر يلقى عوائق كبيرة في عملية النشر سواء كانت عوائق انتماء وإيديولوجيا أو عوائق مادية.
ويضاف لما سبق - حسبه - مطب آخر لا يقل خطورة عن المطبات السابقة وهو غياب المقروئية، وهذا العزوف لا يتعلق بالأدب فقط بل يشمل شتى مجالات الكتابة أدبية كانت أو علمية بل حتى التربوية منها باستثناء الإقبال على الكتاب الديني، وهوة إقبال محتشم أيضا.
لتأتي ثالثة الأثافي من مطبات هذا الأدب، وهي أزمة النقد إذ أن النقد الأدبي في الجزائر باستثناء الدراسات الأكاديمية والتي عليها ما عليها، فإنّ النقد يعتبر الغائب الأكبر في العلمية الأدبية في الجزائر. فعدا بعض الحالات، والتي لا تتناول كل الانتاج الأدبي، وغالبا ما تكون لأدباء معروفين ومشهورين بين القراء، في حين أن الأدباء المبتدئين أو المبدعين الذين هم في بدايات الطريق لا يحصلون على حقهم من الاهتمام النقدي بأعمالهم وإبداعاتهم بصرف النظر عن قيمتها الفنية.
ويفصل الأستاذ بالة في هاته النقطة بالتأكيد على أنه بالنسبة للدراسات الأكاديمية التي تتناول الأعمال الأدبية، فإنها تعاني من عيوب عدة في مقدمتها نسقية التناول، وهي في إطارها العام لا تخرج عن مفاهيم ومعايير النقد الغربي، ولم تستطع هذه الدارسات إيجاد توازن بينه وبين الأدب العربي عموما والجزائري خصوصا.
فإذا كنّا نؤمن بأنّ النقد هو قراءة للنص الأدبي أو إعادة إنتاج له، فإن النقد الأكاديمي هو نقد نسقي يعتمد بالدرجة الأولى على النماذج الجاهزة والمعايير الثابتة من خلال تطبيق الآليات والأدوات الإجرائية للمناهج بكثير من التعسف بين إفراط وتفريط مما يؤدي إلى سلبية هذه الدراسات وعقمها عن تقديم الجديد، وكانت نتيجة ذلك هي بقاء هذه الدراسات والمذكرات والرسائل حبيسة أدراج مكتبات ومخازن الجامعات، فلا يتم التطرق إليها ولا الإطلاع عليها إلا في حدود ضيقة من طرف الطلبة والباحثين في أحسن الأحوال حسب الأستاذ نواري ضيف “الشعب”.
الدّراسات الأكاديميـة لم تخرج عن مفاهيم ومعايير النّقد الغربي للأدب الجزائـري
 أما بخصوص معوقات دخول الأدب الجزائري للعالمية، يوجزها في الإشارة إلى أنّ النشر على نطاق واسع والترجمة من أهم عوامل ولوج العالمية في الأدب، وهذا ما لا نجده في الأدب الجزائري إلا في إطار ضيق ومستوى محدود؛ فالنصوص التي دخلت العالمية كان ذلك انطلاقا من نجاح تلقيها وتقبلها في مواطنها الأصلية ثم ولوجها العالمية بعد ترجمتها لشتى اللغات، حيث وجدت إقبالا كبيرا خاصة في ظل العولمة وزيادة حدة الصراعات والأزمات التي تعاني منها شعوب العالم.
كما تعد الوسائط الإلكترونية الشبكة العنكبوتية في عصرنا حسب الأستاذ بالة دائما من أهم وسائل إشهار النصوص الأدبية والأعمال الإبداعية، وقد وجدنا في كثير من الأحيان يقول الأستاذ بالة نصوصا ضئيلة من حيث القيمة الفنية اشتهرت بشكل ملفت عبر هذه الوسائط، في حين أن نصوص أخرى ذات قيمة فنية وجمالية عالية بقيت مغمورة وغير معروفة نظرا لافتقادها لهذه الأنشطة على مستوى الوسائط الإلكترونية.
 وبالحديث عن أزمة الأدب في الجزائر، فيرفض الأستاذ بالة النظرة السوداوية أو التشاؤمية بل إن المشهد الأدبي الجزائري يشهد حركية غير مسبوقة وإنتاجا معتبرا كمّا ونوعا، وهناك نماذج فذّة فرضت نفسها محليا وعالميا ونالت تقديرات عدة عربيا ودوليا من خلال الجوائز التي حصدتها والتّكريمات التي توّجت بها.
الطّموح إلى العالمية بإلغاء الاستثناءات
غير أنّ هذا لا يرقى إلى مستوى الظاهرة الأدبية بل هي نجاحات فردية وفلتات تحتاج إلى مزيد العناية والتشجيع رقت إلى العالمية بفعل ظروف معينة ابتداء من أصحابها ومبدعيها، الذين صنعوا لأنفسهم أسماء ومكانة وسط الحياة الأدبية العالمية، إضافة إلى تعاملهم مع دور نشر عالمية لها صدى وقيمة وتوزيع واسع، فهي تطبّق بانتقائية حتى تحافظ على مكانتها من حيث إقبال القرّاء على منشوراتها على المستوى الدولي، وتولي أهمية بالغة وعناية كبيرة في انتقاء ما تنشره من مواضيع ومن كتاب.
فالحديث عن معوقات عدم بلوغ الأدب الجزائري للعالمية لا يعني إلقاء المسؤولية على طرف واحد من أطراف هذه المعادلة من المبدع والناشر والقارئ والناقد والمؤسسات المشرفة بل المسؤولية مشتركة.
فإذا كانت الأعمال الأدبية لا تلقى الوسط المتقبل لدى مبدعيها وجمهورها في موطنها الأصلي، فكيف نطمح للعالمية؟ مع وجود بعض الاستثناءات.
فكل أدب لابد له من احتضان في موطنه حتى ينمو ويترعرع ثم يفيد إلى مواطن أخرى تتلقاه وتتقبله بما يحمله من قضايا ومشكلات إنسانية وطموحات بشرية، وهذه الحاضنة المحلية تحتاج إلى وسائل مادية تبدأ بالنشر والتوزيع والإشهار وصولا إلى تنظيم الملتقيات والندوات والمعارض بخاصة الدولية منها التي تفتح آفاقا أمام الأعمال الأدبية لتجاوز المحلية وولوج العالمية.
 وكل هذه العوامل تساهم في تنشيط المشهد الأدبي خصوصا والثقافي عموما، وهنا يجب التنبيه إلى خطأ في المفهوم وقعنا ونقع فيه وهو تقزيم الظاهرة الثقافية واختصارها واختزالها في الفلكلور فقط،وهي في حقيقتها أوسع وأشمل وأعمق من ذلك بكثير.
ويتفاءل الأستاذ بالة نواري من جامعة خنشلة بمستقبل مزهر للأدب الجزائري بعيدا عن العاطفة والمجاملة بل نتيجة منطقية لما بذل ويبذل على المستوى الفردي والرسمي من قبل الأدباء والباحثين والمؤسسات، والحديث عن السلبيات هو من باب النقد الذاتي والنظر إلى الماضي هو لاستخلاص الدروس والعبر واجتناب تكرار الأخطاء، فلكي نرقى بهذا الأدب ينبغي أولا أن ننشط المشهد الثقافي عموما وأن نعطي للثقافة أبعادها الحقيقية ثم يجب أن نولي أهمية للنشر والقراءة. وهنا نثمّن ونشجّع ما تمّ فتحه عبر أرجاء الوطن من مكتبات للمطالعة العمومية وهذا يشجع على القراءة ويرفع من المقروئية، إضافة إلى انتشار دور النشر وسهولة النشر من الناحية التقنية رغم الكلفة المادية، كما يجب أن نولي أهمية خاصة للأدب الإلكتروني من خلال الاستفادة من الوسائط الإلكترونية والشبكة العنكبوتية، فالأدب الإلكتروني له مميزات تجعله من الأهمية بمكان أولها سهولة نشره وثانيها قلة تكلفته، وثالثها كثرة قرّاءه ورابعها اتّساع رقعته.
كما لا يجب أن ننسى ما تخرجه الجامعات من بحوث ومذكرات ورسائل ودراسات، فهذه يجب أن ينفض عنها الغبار وتنشر ليتسنى للباحثين والقراء الإطلاع عليها حتى لا يبقى هذا الزاد الضخم الثري الذي تعج به جامعاتنا حبيس الرفوف والمخازن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024