أعطى للكلمة سياقاتها المناسبة لها

كبلوتي: استخدم اللّغتين منفذ لثراء نِتاجه الأدبي

سوق أهراس: صحراوي ــ ح

تستذكر الأسرة الأدبية الجزائرية قامة فنية كبيرة قدّمت للأدب الكثير، وأعطت للكتاب نفسا عميقا يستظهر قوة الشخصية الجزائرية في ولوج عالم القصة والرواية ومختلف الفنون الأدبية، التي قارعت الكبار على مستوى عالمي، بقلم لم يجف يوما. إنّه الرّوائي والكاتب الكبير ابن مدينة أم البواقي رشيد بوجدرة، في هذه الوقفة أردنا استظهار الجزء المليء من الكأس فيما رواه الكاتب طيلة مسيرة حافلة كلّلت بمسار أدبي مشرف للجزائر ومشرف للأسرة الأدبية ومشرف لنفسه، على حساب تجربة لشخصية نشأت في بيئة متواضعة لتصل إلى مستويات لم تكن متاحة لغيره ممّن توفّرت لهم الظّروف المناسبة من تعليم عال وممارسة كبيرة.
يقول أستاذ الأدب العربي بجامعة محمد الشريف مساعدية الدكتور قندوز كبلوتي، بوجدرة رجل أدب بمعنى الكلمة درسنا رواياته وأسلوبه وخطابه اللساني وفق معطيات نقدية أو تعليمية للمناهج الأدبية على مستوى أكاديمي، يحتل الرجل مكانة مرموقة في الأوساط الأدبية، وبعيدا عن اللغط الذي أثير حول شخصية الرجل ومعتقداته، فهذا يخصه كشخص وليس موضوعنا على أيّة حال.
لكن نحن نحتفي بالأديب الجزائري رشيد بوجدرة، الرجل الذي أضاف لرصيدنا الأدبي المعاصر إسهامات تنم عن شخصية أدبية خارقة ـ إن صح التعبير ـ تجاوزت مؤلفاه على مادار الـ 50 عاما ، ما يزيد عن 30 مؤلف أدبي بين القصة الرواية أضيفت إلى رصيد المكتبة الوطنية الجزائرية في ميدان الأدب باللغتين العربية والفرنسية.
الكتابة باللّغة الفرنسية المدخل لاكتساب تقنيات كتابة الرّواية المعاصرة
 في هاته المحطة الاستذكارية أردت أن أتناول أعمال الأديب الكبير رشيد بوجدرة من زاوية مهمة جدا، وهي تجربته في كتابة الرواية، وأهم المحطّات المفصلية للتحول نحو الكتابة بالعربية بإسقاطات أخذها من اللغة الفرنسية التي كتب بها أولى رواياته، استطاع رشيد بوجدرة أن يخلق لنفسه كأديب مدخلا هاما في الكتابة الأدبية سواء باللغتين العربية أو الفرنسية، والفضل يعود إلى تحكّمه في الكتابة باللغة الفرنسية التي أكسبته التحكم في سبر أغوار الرواية المعاصرة، والتحكم في قواعد كتابتها، فيما يعرف باللعب بالزمن السلبي، وتناول القضايا الإنسانية الكبرى، إلى جانب اعتماد الارتداد الزمني للذاكرة، وطرح قضايا معينة تدخل في صميم التحول الاجتماعي خاصة في الفترات الاجتماعية الحاسمة.
هذا الإبداع الأدبي في الرواية المعاصرة باللغة الفرنسية، كانت له نفس القيمة عندما تحوّل الأديب رشيد بوجدرة للكتابة باللغة العربية، وبالتالي يكون بهذا العمل الفني التقني في الرواية المعاصرة أنه أسّس لقواعد كتابة الرواية المعاصرة باللغة العربية، بل كان سبّاقا لهذا اللون الأدبي المعاصر الذي ظهر وشاع استخدامه، خاصة مع بروز وسائل الاتصال الجماهيري والسينما، أين كانت هاته الروايات والقصص هي مشاريع لسيناريوهات سينمائية متعددة.
أسس لقواعد كتابة الرّواية المعاصرة باللّغة العربية
أضافت إلى شهرتها الأدبية شهرة سينمائية منقطعة النظير، والشخصية الأدبية لرشيد بوجدرة لا تقتصر على المحلي فقط، فهو شخصية بوزن ثقيل في الأوساط الأدبية العالمية، لا من حيث الأسلوب ولا من حيث الرصيد الأدبي واللغوي له. نحن لا نهمل في هاته المناسبة شخصية الرجل الأدبية التي جعلت منه محاضرا في العديد من الجامعات العالمية التي تحتفي بما كتب الرجل في ميدان الأدب وما أسس له فيما يخص الرواية المعاصرة من قواعد كانت جزءا لا يتجزأ من مشوار أدبي طويل رسمه وفق رؤيته المعاصرة أيضا. أمر آخر في شخصية الأديب الكبير رشيد بوجدرة وفيما كتب باللغتين، هو جزائري يعتزّ بجزائريته وقد قالها يوما «أشعر وأنا أكتب بلغة الآخر،بأنّني أشبه بطفل يتيم، وهو يبحث عن شكل من أشكال التبني..»، وهذا ينم عن ذات وطنية كانت بالأمس مخلفات استعمار قد ترى بعين الريب لمن يكتب بلغة المستعمر، لكن كمثقف وكأستاذ في الأدب نحن هاته اللغة عبارة عن غنيمة حرب، نحن في حاجة ماسة إلى ولوج الآداب اللاتينية وبالتالي نحتاج إلى اللغة الأخرى لكي ننهل مما كتب الآخرون، فلولا اللغة الفرنسية لما كان حال الرواية المعاصرة العربية بالحال الذي زاد إليه الأديب رشيد بوجدرة الكثير.
كذلك أمر هام فيما يتعلق بالكتابة باللغتين بالنسبة للأديب رشيد بوجدرة، قد تتعارض اللغة والثقافة فيما يتعلق بالمادة الأدبية التي تكتب باللغتين، لكن الأمر الثابت والعلمي والذي لا يمكن إنكاره في الكتابة بلغات متعددة وهو تطوير تقنيات واسالسيب الكتابة، نحن نمارس إجحافا كبيرا فيما نكتبه إذا تركناه حبيس لغة واحدة نتداولها سواء بفعل الكتابة أم بفعل القراءة، لأنّنا لا نتطوّر بهاته الطريقة، لا تتعارض اللغة إطلاقا مع تقنيات الألوان الأدبية المكتسبة، ضف إلى ذلك نحن في عالم مفتوح لا يحتفي إلا بما له صبغة عالمية.
أيعقل أن نتقوقع في كتاباتنا المحلية بلغة واحدة ونريد للآخر أن يقرأ وينقد ويسمع ما نكتبه؟ هذا لن يكون إطلاقا، وبالتالي هاته قوة الأديب رشيد بوجدرة اخذ من اللغة تقنيات الكتابة للألوان الأدبية وترك الوعاء الثقافي ملازما للغات التي يكتب بها.
نحن في حاجة ماسّة إلى ولوج الآداب اللاتينية، وبالتالي نحتاج إلى اللغة الأخرى لكي ننهل ممّا كتب الآخرون، فلولا اللّغة الفرنسية لما كان حال الرّواية المعاصرة العربية بالحال الذي زاد إليه الأديب الراحل رشيد بوجدرة الكثير.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024