الدكتور بن عسلة عبد القادر لـ «الشعب»:

المدينة شعاع يطل منه المبدع وتخليدها وفاء لمكانته

تيارت: ع ــ عمارة

البيئة في الرّواية أوسع من القصّة يتعدّد فيها المكــــان
لا تقل أهمية عن تـــواجد المرأة كـــالملح في الطّعـــــام

يعد الزمان والمكان من بين عناصر الابداع، وهو ما أصطلح عليه بالزمكانية، وهي البيئة التي تجري فيها أحداث القصة أو أي عمل أدبي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخلو عمل فني أيا كان نوعه من الزمان والمكان، وبحكم المبدع يعيش في محيط وبئية فإنه شديد الارتباط بالمكان الذي نشأ وترعرع فيه، ومن هنا فلا يمكن لهذا الأخير التخلي عن مدينته أو قريته أو أي مكان آخر للحديث عن المدينة ومكانتها، ودورها في تنمية الابداع التقينا الأستاذ الدكتور بن عسلة عبد القادر أستاذ الأدب العربي بجامعة غليزان، والذي طرح لنا إشكالية المدينة بين مساهمتها في نبوغ المبدعين،  والتخلي عنها لكونها مكان وفقط.

هذا المكان الذي تفجرت فيه مواهب المبدع واشتد فيه عوده يزداد ارتباط المبدع به، ويحن إليه بحكم الذكريات التي مرت به في هذا المحيط، سواء أكانت هذه ذكريات سعيدة أو ينتابها شيء من التعاسة والحزن، وهذا ينطبق على المبدع وغير المبدع من عامة الناس، ولذلك نجد كثيرا من المبدعين أشد ارتباطا بالمدن والقرى التي ما فتئوا يتغنون بها في شعرهم ونثرهم، ومن هنا نشأ لدى شعراء المهجر الأمريكي ما يعرف بشعر الحنين إلى الوطن، أي شدة تعلق هؤلاء بأوطانهم وبلدانهم ومدنهم أمثال إيليا أبي ماضي وغيره.
❊ الشعب: ماذا تمثّل المدينة بالنّسبة للمبدع والأديب بالأخص؟
❊❊ عسلة عبد القادر: المدينة جزء من حياة الأديب والمبدع، وهي بمثابة الهواء الذي يستنشقه ولا يمكن أن يستغني عنه بأي حال من الأحوال، فهي معه حيثما كان وأينما حل، في حله وترحاله، فالذكريات التي مر بها تجعله أكثر ارتباطا بمكان مولده ونشأته وبأهله وأحبائه وأصدقائه، ومن باب حرصه على هذه الذكريات فلا يمكن أن يتنصل من مدينته عن ماضيه عن تاريخه، حتى وإن أجبرته الأيام على مغادرتها قهرا، يبقى الحنين الذي يربطه بها ويشده إليها في يقظته وأحلامه. ومن هنا تبقى المدينة أو البيئة أو المحيط من أهم عناصر العمل الفني، وهذا لا يختلف في شيء عن الرسام الذي ينجز لوحات طبيعية لمدينته لأنه يشعر في قرارة نفسه أنها جزء من حياته، فالمدينة في العمل الإبداعي لا تقل أهمية عن تواجد المرأة فيه، فكلاهما كالملح في الطعام.
❊ وهل للمدينة تأثير على الرّواية؟
❊❊ البيئة في الرواية أوسع من القصة، قد يتعدّد فيها المكان، بحكم اتساع رقعة الأحداث وتنقل البطل وشخصياتها، فلا مناص للمبدع من ذكر المدن والأماكن أو التلميح إليها في عمله الإبداعي، وخاصة الأماكن التي عاش فيها ومرت عليه بها تجارب لا زالت عالقة في ذهنه، وهناك من المبدعين الذين خلدوا مدنهم في أعمالهم وإنجازاتهم على تباينها واختلافها وأرخوا لها، وبحكم هذا التعلق بمدنهم ظهر اتجاه جديد في الرثاء، وهو ما يعرف برثاء المدن، حيث وصف فيه الشعراء والأدباء حال مدنهم على إثر النكبات التي حلت بها، وهذا ما قام به أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي تحدث عن نكبة دمشق بسوريا على الرغم من أنه لم يكن من أهلها، ولكن تفاعل بوجدانه وإحساسه وعواطفه مع هذا الحدث المروع، يقول في مطلع القصيدة: سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق. ونظّم الكثير من الاشعار عن المدينة.
ونحن بدورنا نقول إن المدينة قرينة بقرحة المبدع والفنان، وكل من ينتج عملا أدبيا أو فنيا مهما كان نوعه، وحتى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال في معنى الحديث عندما خرج من مكة مكرها: (ولله لأنت أحب إليّ من الأوطان ولكن خرجت مكرها فيما معنى الحديث)، وعاد إليها مطأطأ الرأس عند فتح مكة تواضعا لله وتشريفا لمكة المدينة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024