فيما تعدّ البرمجيات الحديثة أداة فعّالة لمواجهتها

بين الرادع القانوني والضوابط الأخلاقية

أسامة إفراح

لما كان الإبداع شرطا أساسيا في تقدم البشرية وتطورها، تبوّأت حقوق المؤلفين مكانة محورية في النقاشات القانونية والأخلاقية، حتى اعتبر السطو على أي مجهود فكري ضربا من الجرائم تترتب عنه تبعات وعقوبات. وهكذا عمدت مختلف الدول إلى استحداث تشريعات ومؤسسات تحمي حقوق المبدعين فيها، بما في ذلك الجزائر التي استحدثت الديوان الوطني لحقوق المؤلف سنة 1973، وقبل ذلك المعهد الوطني للملكية الصناعية سنة 1963. ولكن الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم غيرت الكثير من المفاهيم التقليدية، وفرضت على التشريعات التأقلم مع متطلبات العصر الرقمي.

كانت طبيعة حقوق المؤلف في قلب جدل ونقاش بين الفقهاء، وظهرت في ذلك نظريات، منها تلك التي تعتبر حق المؤلف من الحقوق الشخصية، وهو ما يراه الفقيه «كانت» الذي اعتبر المصنف الأدبي جزءً من شخصية المؤلف، يختلط بها ولا يمكن فصله عنها، ولكن هذه النظرة تحول دون استفادة المؤلف ماديا من مصنفاته.
أما الاتجاه الثاني فهو اعتبار حق المؤلف حق ملكية، أي أن له نفس خصائص حق الملكية من حيث القدرة على استعماله أو استغلاله أو التصرف فيه. ولكن منتقدي هذا الرأي يرون بأن الملكية تكون في الأشياء المادية.
فيما نجد في اتجاه ثالث «نظرية حقوق الملكية الفكرية»، ومفادها أن حق المؤلف ليس حقا شخصيا ولا حق ملكية عادية كما سبق ذكره، وإنما هو «حق جديد يقوم على التفرقة بين المادة والفكر في إطار حق الملكية». بينما يرى منتقدو النظرية بأن دمج الحقوق الأدبية والمالية يخلط بينهما على اختلافهما النسبي.
أما الاتجاه الرابع فهو «ازدواج طبيعة حق المؤلف»، أي أن للمؤلف لا حق واحد بل حقّان: حق مالي وآخر أدبي. وحتى وإن اعتبرت هذه المقاربة الأكثر رجاحة وشيوعا، فإنها لم تسلم من النقد من حيث كونها «غلّبت الحق المالي على الحق الأدبي».
وإذا كان هذا النقاش الفقهي القانوني قد انطلق قبل العصر الرقمي، فإن الثورة التكنولوجية والاتصالات الحديثة، التي فرضت نفسها كعامل جديد ومحدّد ومحوري في جميع المجالات، اضطرت ذوي العلاقة بحقوق التأليف إلى التأقلم مع خصوصيات البيئة الرقمية.
على سبيل المثال، يمكن لمتصفح المواقع الإلكترونية بمختلف أنواعها أن يجد العديد من أشكال المحتوى الرقمي، على غرار الإعلانات التجارية والتسجيلات السمعية البصرية والبث المباشر، وما يتضمنه ذلك من علامات تجارية ونماذج صناعية ومادة إبداعية فنية، وغيرها ممّا يمكن تصنيفه في إطار الملكية الفكرية.
وإذا كانت هذه المواد محمية خارج نطاق الشابكة، فإن نشرها على المواقع الإلكترونية لن يؤثر شيئا في كونها محمية بتشريع أو أكثر من تشريعات حماية الملكية الفكرية. ولكن الإشكال المطروح: ماذا لو كانت هذه المادة الإبداعية منشورة فقط على الشابكة، وغير موجودة إلا في شكلها الرقمي؟
من أجل ذلك، زودتنا هذه التكنولوجيا الرقمية ذاتها، التي أدت إلى الانتشار والتدفق الواسع للمعلومات، بما في ذلك المادة الأدبية والإبداعية، زودتنا ببرمجيات من شأنها كشف محاولات السرقة الفكرية والأدبية، التي تضعها القوانين والأخلاق على السواء في باب الجريمة.
من بين هذه الوسائل محركات البحث، على غرار «غوغل»، ويعمد العديد من أساتذة الجامعات إلى مراقبة أعمال طلبتهم البحثية ومدى أصالتها بالبحث عن فقرات كاملة منها على محرك البحث، الذي يرصد الموقع أو الصفحة التي تكون الفقرة قد نسخت منها في حال السرقة أو «الانتحال» دون ذكر المصدر أو المرجع.
كما يمكن استخدام برامج تحمّل وتثبت على الحاسوب، مثل viper وWCopyfinder، إلى جانب وجود مواقع توفر خدمات برامج على النت، مثل article checker، Duplichecker و plagaware.
أما برنامج Turnitin فهو نظام غير مجاني تشتري المعاهد والمؤسسات التعليمية رخصة استخدامه للتحقق من أصالة الأعمال البحثية المكتوبة فقط، كونه لا يتعامل إلا مع النصوص. وإذا كان مستعملو اللغة العربية يجدون صعوبة مع العديد من البرامج، فإن الشركة المنتجة لهذا النظام أعلنت منذ 2008 عن اعتماد 31 لغة إلى جانب الانجليزية، من ضمنها العربية، يستطيع النظام التعامل معها في عملية الكشف عن المحتوى المنسوخ. وحسب الأرقام المتوفرة، فإن هذا النظام يستخدم في أكثر من 10 آلاف مؤسسة تعليمية عبر العالم، وأكثر من مليون مدرّس وأكاديمي، وأكثر من 20 مليون طالب.
ولكن، بعيدا عن إمكانيات كشف السرقات الأدبية، وبغضّ النظر هذه البرمجية أو تلك، تبقى الأخلاق المانع الرئيسي لكل سطو على فكرة أو نصّ أو مجهود ذهني مهما كان، لأن الفنان الحقّ، والمبدع الحق، هو أسمى من أن يسطو على أفكار غيره، وينسبها إليه، لأن فنان بلا أخلاق، هو مثل قصيدة بلا كلمات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024