بعد أن بلغت ضرباته قلب أوروبا النّابض

تصحيح مسار الحرب على الارهاب أصبح ضرورة

فضيلة دفوس

أعادت هجمات باريس الدّموية إلى الأذهان تفجيرات مانهاتن المروّعة، ورغم اختلاف الفاجعتين فيما يتعلّق بحجم الخسائر والوسائل المستعملة فيهما، فبينهما نقاط تشابه وتقاطع كثيرة، ما يؤكّد بأنّ العالم مقبل على مرحلة جديدة تماما كما حصل بعد اعتداء الـ ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
بالتّأكيد إنّ الذين اعتبروا تفجيرات باريس، سبتمبرا جديدا لم يجانبوا الصّواب، لأنّ الزلزال الذي ضرب واشنطن قبل ١٤ عاما هو ذاته الذي هزّ كيان فرنسا في ١٣ نوفمبر ٢٠١٥، وتداعياته تكاد تكون نفسها طبعا، فنفس الجهة الارهابية تقف وراءه وإن تغيّر اسمها من “القاعدة” إلى “داعش”.
ورغم أنّ ما تعرّضت له واشنطن وما أصاب بلاد الجنّ والملائكة يختلف في جزئيتي حجم الخسائر والوسائل المستعملة، والذي كان أكبر في الأولى، حيث تجاوز الـ ٣ آلاف ضحيّة، ونُفّذ بطائرات نسفت برجي التّجارة العالمي، في حين بلغ المئات بين قتيل وجريح في الثانية ونفّذ بالكاميكاز البشري والمفخّخات والرشّاشات، فإن ما أصاب البلدين الكبيرين يتقاطع في نقطة مفصلية أراها تفتح العالم على مرحلة جديدة.
فمثلما أرّخ سبتمبر الأسود لبداية الحرب على الارهاب، فإنّ الجمعة الدّموي قد يصحّح مسار هذه الحرب التي انحرفت عن أهدافها وتجلّى مع مرور السّنين بأنّها أجّجت الحروب ورفعت أرقام ضحاياها وانحصر إنجازها  «العظيم” في تحويل “القاعدة” إلى “داعش”، وتغيير موقع الارهاب من أفغانستان الى بلاد الشّام والعراق. في تصوّري، إنّ العالم بعد الذي أصاب فرنسا، سيغيّر نظرته إلى “داعش” الارهابي، فالحجم الكبير الذي اتّخذه هذا التّنظيم الذي تشكّل بفعل فاعل، وامتداد نشاطه الاجرامي خارج ما يسمّيها “دولته الاسلامية” بالشّام والعراق، وبلوغه قلب أوروبا، سيجبر الغرب على إعادة حساباته، ليلتزم بجدية أكبر في محاربته، جدية لم نلمسها على أرض الواقع رغم مرور أكثر من سنة على تشكّل تحالف دولي لدحره، ربما لأنّ ضحاياه لم يكونوا قبل ١٣ نوفمبر ٢٠١٥ من أبناء العرب والمسلمين، الذين يسقطون يوميا بالمئات ويتعرّضون لأبشع أنواع الاجرام والتّقتيل دون أن تتحرّك شعرة من رأس أحد. «ربّ ضارة نافعة” هذا ما يقوله المثل وهذا ما يفرضه الواقع، فالدم الفرنسي الذي أريق الجمعة الماضي، سيحرّك حتما المجموعة الدولية لتصحيح اعوجاج الحرب على الارهاب، وهذا التّصحيح لن ينجح دون حلّ الأزمة في سوريا، التي تحوّلت إلى بقعة ساخنة لحرب باردة تخوضها عدّة أطراف.
اليوم وبعد أن بلغت إرهاصات هذه الحرب بأمواج اللاّجئين الذين أنتجتهم، والارهابيين الذين صنعتهم إلى بيت الغرب، فالمؤكّد أنّ هذا الأخير سيعيد النّظر في استراتيجية محاربة الارهاب، وسيكون مجبرا على حلّ خيوط الأزمة السّورية التي تعتبر العامل الأساسي في تشكيل “داعش” وتأجيج الارهاب بدل دحره، والحلّ كما نتصوّره يجب أن يكون بوقف القتال وليس بشنّ حرب برية كما يروّجه البعض حتى وإن كانت تحت عنوان مكافحة إجرام “الدّولة الاسلامية”
لأنّنا تعلّمنا من التّجارب السّابقة المماثلة في أفغانتسان والعراق أنّ التدخلات العسكرية وخيارات القوة تلهب النّيران ولا تطفئها، وتوسّع قوائم الضّحايا ومعهم المتطرّفين والنّاقمين، الذين يتحوّلون إلى وقود لتحريك عجلة الارهاب الماضية في سحق الانسانية.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024