هجومــات 20 أوت كمــا يراهــا عامــر رخيلــة:

الإيديولوجيـا سبـب الاختلاف حـول وثيقــة الصومام

خالدة بن تركي

الجانـب التّنظيمـي للمؤتمر قدّم مكتسبات كبيرة للثورة المجيدة

يرى القانوني والمحلّل السياسي والباحث في تاريخ الحركة الوطنية، الدكتور عامر رخيلة، أنّ مؤتمر الصومام 1956 محطة متميزة في مسار ثورة التحرير لما له من فضل في نيل الاستقلال وتحرير الجزائر من المستعمر، فضلا عن تعميق مبادئ وتصورات وطرق العمل التي أشار إليها بيان الفاتح نوفمبر 1954.
أبرز الأستاذ رخيلة أهمية الحديث عن هذه المناسبة في ذكراها الرابعة والستين، لتوضيح الرؤى بشأن «مغالطات حول المؤتمر التاريخي الذي لا يمكن أن ننفي إيجابياته، من حيث إعادة هيكلة الثورة التحريرية وتحديد مبادئها وحتى شروط التفاوض مع الاستعمار الفرنسي، والشروع في إقامة نواة الدولة الوطنية، فالمؤسّسات الشّرعية للثورة التي بدأ تجسيدها الفعلي في أرضية الصومام لم تكن إلا إثراء عمليا ومؤسساتيا لبيان أول نوفمبر 1954، الذي يعد أرضية حقيقية لوثيقة الصومام».

 بيـان الفــاتح نوفمــبر أرضيـة لتشريــح الحركـة الوطنيــة

 قال الدكتور بخصوص بيان أول نوفمبر إنّه يقتصر على صفحة واحدة، لكنه أرضية للثورة، شرّح وضعية الحركة الوطنية وبيّـن أن هناك تنظيم طلائعي ثوري وهو جبهة التحرير الوطني، وهو بمثابة إعلان عن ميلاد جبهة وجيش التحرير الوطني وتجسيد فكرة الإستقلال، بالإنتقال بالحركة الوطنية من العمل السياسي إلى العمل السياسي-العسكري، والعودة للشعب لتجاوز التناقضات الموجودة.
وأضاف المهتم بتاريخ الحركة الوطنية أن جبهة التحرير لم يكن لديها الوقت الكافي لوضع إطار ومنهاج تنظيمي للثورة، وكان من المنتظر عقد ملتقى أو ندوة لجبهة التحرير الوطني في ستة أشهر الأولى، لكن ظروف الحرب لم تسمح بذلك إلى أن جاءت المحاولات في بداية 1956 والظروف لم تسمح إلى أن تيسّرت في المنطقة الثالثة القبائل، وبفضل مجهودات عبان رمضان والشخصية الرمزية العربي بن مهيدي قيادة المنطقة الثالثة تمكنوا من توفير أسباب انعقاد مؤتمر الصومام.

أوّل مؤتمر لجبهة التّحرير الوطني

 بحسب رخيلة، وثيقة الصومام منعرج حاسم في مسار الثورة وتعميق لمبادئ بيان الفاتح نوفمبر 1954 ويحوي شقين: الشق الإيديولوجي والتنظيمي، موضّحا بشأن الاختلاف بين «فرقاء» جبهة التحرير الوطني بعد المؤتمر أنه حول الشق الأيديولوجي وليس التنظيمي الذي أشيد به.
وقال الأستاذ بشأن الشق التنظيمي، إنّ المؤتمر زوّد الثورة بتنظيم وطني دقيق وحوّل المناطق إلى ولايات، وأحدث الولاية السادسة «الجنوب الجزائري»، واستحدث قيادة جزائرية جماعية هي المجلس الوطني للثورة، ووضع الهيئة التنفيذية المتعلقة بلجنة التنفيذ والتنسيق، وحدّد الرتب والإجراءات التنظيمية ونظّم القوى الاجتماعية وأعطى الشرعية لما كان موجودا من تنظيمات، لاسيما الطلابية، وهنا ندرك أن الجانب التنظيمي قدّم للثورة مكتسبات كثيرة.
وحسب الباحث رخيلة، فإنّ «الشق الإيديولوجي يعيدنا إلى الصراع الموجود قبل 1954، على اعتبار أن هناك ثلاث مشاريع مطروحة والمتعلقة بالمشروع الإسلامي الممثل في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي له بعد إصلاحي، غير أن البعد الإسلامي موجود في التيار الوطني الاستقلالي الذي يقدس الإسلام، حيث أنّ الإسلام حاضر في أدبياته حتى ولم يكن حزبا إسلاميا».
وأضاف: في حين التيار اليساري المتمثل في الحزب الشيوعي الجزائري الذي ظل موجودا لغاية 1954، يرى في القضية الجزائرية إلا في إطار ربطها بفرنسا، لكن دون تصور وطني وفي إطار الاندماج، بمعنى إيجاد حل الشغيلة الجزائرية في إطار السياسة الفرنسية الموجودة، غير أن مسألة الاستقلال لم تكن مطروحة، يقول محدّثنا.

 انتقـاد البعـد الدّينــي للثّــورة سبــب الجدل

بشأن الاختلاف، قال الأستاذ رخيلة إنّه راجع إلى تنصيص البرنامج الذي استثنى البعد الإسلامي وجاء ناقدا للدولة الدينية، أي ناقد للبعد الديني في الثورة الجزائرية، خاصة أن أدوات التحليل التي استعملت في ميثاق الصومام لا تمت بصلة لأدبيات الحركة الوطنية الجزائرية (القطيعة)، أي أن المناهج التحليلية الإيديولوجية أخذت بالأدبيات المراكسية ليست أصيلة للجزائريين، واستعمالها يؤدي إلى اصطدام مع الموروث التاريخي الحضاري الديني.
والخيارات التي جرى الحديث عنها، يقول الأستاذ، هي خيارات تقدّمية تفتقر للتأسيس في نضال الحركة الوطنية، بينما الشيء الموجود في الميثاق كأنه تراكيب جاهزة موجودة في الأدبيات اليسارية، مشيرا إلى أنّ الجانب التنظيمي يشهد له بفضل القوة الهندسية لعبان رمضان.
وفي شرح أكثر للاختلاف حول هذه الوثيقة، قال الأستاذ إنّ الحركة الوطنية فصّلت في مسألة انتماء الجزائر في المجال الحضاري العربي الإسلامي، ليأتي المؤتمر ويثير المسألة من جديد ويتفادى تحديد هذا الفضاء. وأضاف أن النهج التحليلي المستعمل من طرف محرري وثيقة الصومام في جانبها الأيديولوجي، لغة غريبة عن السياسة السائدة قبل 1954، ولكن يبقى الاختلاف قائما حول الأبعاد الإيديولوجية التي تضمّنها ميثاق الصومام، ولم تكن محل إجماع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024