ظواهر رمضانية بامتياز

تضامن وتكافل اجتماعي بين مختلف فئات المجتمع

فتيحة كلواز

 التبذير.. غياب ثقافة استهلاكية سليمة أهم أسبابه 

تراخي واستهتار يهدّد الجزائر بموجة ثالثة

أبان الشهر الفضيل عن وجه تضامني مشرق للمجتمع الجزائري، حيث عرف تكافلا اجتماعيا كبيرا، فبالرغم من اختلاف صوره سواء كان رسميا تعبّر عنه السياسة الاجتماعية للدولة أو مجتمعا مدنيا أو شخصيا، يبقى الجانب الإنساني موجودا بين الجزائريين، كما لم يخل أيضا من مظاهر سلبية يعتبر التبذير، وانتشار العنف والتراخي في الإجراءات الوقائية أهمها.

شكّل التضامن والتكافل الاجتماعي خلال الشهر الفضيل الفارق في يوميات جزائريين أنهكهم تدني القدرة الشرائية، التي كانت أحد أهم تداعيات الأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ ما يزيد عن السنة، فها هي اليوم وجدت في العمل التطوعي والإنساني في اشكال وصور متنوعة أحد روافد المجتمع التي حافظت عليها الأجيال جيلا بعد جيل.

الأسواق التضامنية.. متنفس

خفّفت المبادرات التضامنية من وطأة أزمة اقتصادية مسّت جميع دول العالم، فكانت مطاعم الرحمة وموائد الرحمان والمساعدات المالية والطرود الغذائية التي وزعت بعشرات الآلاف على العائلات المعوزة في مختلف ولايات الوطن حلولا تعبّر في جوهرها عن تضامن اجتماعي صنعته الجهات الوصية والمجتمع المدني ليكون بذلك همزة وصل بين المحسنين والمعوزين الذين يعيشون حياة صعبة على ضوء استمرار أزمة مزدوجة صحية واقتصادية.
وكانت الأسواق التضامنية التي استمرت بتقديم عروضها للمواطنين طوال الشهر الفضيل حلّ ناجع لكسر مضاربة واحتكار بعض التجار، الذين أصبحوا يغتنمون شهر رمضان لمضاعفة أرباحهم على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، فكانت هذه الأسواق حل لمحدودي الدخل حتى لا يكونوا فريسة سهلة في يدّ المحتكرين والمضاربين.
كما عرفت الأسواق التضامنية المنظمة عبر مختلف البلديات في العاصمة وغيرها من الولايات إقبالا كبيرا من المواطنين الباحثين عن أسعار معقولة ومقنّنة للسلع، فكانت ملاذ ذوي الدخل الضعيف الباحثين عن المواد الاستهلاكية الأساسية بأسعار بعيدة عن دائرة الاحتكار والمضاربة، خاصة وأن أسعار مختلف المواد الغذائية عرفت ارتفاعا متزايدا ما تجاوز في بعض الحالات الـ 60 بالمائة كالزيت الذي وصل سعر 5 لتر إلى 1250 دج، ما جعل المواطن يضرب أخماسا في أسداس، خاصة وأنها أسعار تحدّدها لوبيات السوق ومافيا «المضاربة والاحتكار».
هذا الواقع المرير، فرض حل الأسواق التضامنية فكانت المتنفس الذي سمح للمواطن اقتناء احتياجاته من مختلف المواد الاستهلاكية بأسعار في متناول الجميع، حسبما حدّدته الجهات الوصية، حيث وفرت سلعا مختلفة من لحوم حمراء وبيضاء والفواكه الجافة ومختلف المواد الغذائية الى جانب ملابس العيد والأجهزة الكهرومنزلية في بعضها.

مطاعم الرحمة، تكافل وتضامن

تحوّلت مطاعم الرحمة إلى أحد أهم المظاهر التي يتميز بها شهر رمضان في الجزائر، فمع أول يوم من الصيام تُمد موائد الرحمان في مختلف ولايات الوطن من أجل تقديم وجبات ساخنة لكل من اضطرته الظروف الى البقاء بلا سقف ولا عائلة ولا مال يحفظ كرامته، فكانت تلك المطاعم التي تفتتح هنا وهناك طريقة فعّالة لإظهار تضامن اجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع، حتى أصبح البعض ممن يسهرون على تنظيمها لا يجدون نكهة رمضان إلا بين تلك الفئات الهشّة.
ولم تقتصر تلك المطاعم على الجزائريين فقط بل حتى الأجانب الفارين من ويلات الحرب في دول الساحل، تجدهم جالسون جنبا إلى جنب مع الجزائريين في ولايات الجنوب، يتناولون وجبة الإفطار ليعطي الجزائري بذلك درسا آخر في التضامن والتكافل الإنساني غير المحدود، لتضّم كل ولاية عشرات المطاعم المفتوحة أمام عابري السبيل والمعوزين.

ظاهرة رمضانية بامتياز

لم يخل الشهر الفضيل من مظاهر سلبية تتكرّر في كل سنة فالرغم من حملات التحسيس والتوعية، رمى الجزائريون 4 ملايين خبزة أو ما يعادل مليون كيلوغرام من مادة الخبز خلال الـ20 يوما من رمضان، رقم كبير يثير أكثر من سؤال حول امتلاك الجزائري لثقافة استهلاكية سليمة تمكنه من التزام سلوكيات استهلاكيه بعيدة عن التبذير.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلا يمكن قبول أن ترمى مادة استهلاكيه مدعمة من طرف الدولة في القمامة لأنه هدر للمال العام، فالأولى توجيه الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، لأنها لن تستطيع رمي ما لا تستطيع شراؤه لولا السياسة الاجتماعية للدولة، لذلك كان لا بد من إعادة النظر في الطريقة الأنجع لتوجيه الدعم الى مستحقيه، حتى نتفادى مثل هذه المظاهر السلبية.
الأَمَرْ أن الخبز الذي يرمى في القمامة ليس العادي فقط بل المحسن أيضا سيكون هذا مآله في رمضان، فبالرغم أن سعره أغلى إلا أنه مصيره الى القمامة بعد يوم كامل من الصيام، لذلك كان من الضروري بما كان تمكين المواطنين من اكتساب ثقافة استهلاكية سليمة تبعده عن التبذير الذي تحوّل إلى ظاهرة رمضانية بامتياز.
وإن كان التبذير قد جعل من رمي الخبر في القمامة ظاهرة ارتبطت ارتباطا وثيقا بالشهر الفضيل، فإن العنف اللفظي والجسدي أصبح هو الآخر ظاهرة رمضانية بامتياز، حيث يُشهر الكثير من الصائمين «سيف الحجاج» في كل تعاملاتهم الاجتماعية سواء كانت قرابة أو عملا أو مكانا عاما ليكون الغضب السمة الأساسية في أي سلوك يقومون به، فقد أعطى الصيام أغلبهم «الضوء الأخضر» لإشهار طباعهم الحادة المتميزة بالشدة والغلظة في وجه كل شخص يرون فيه إزعاجا واضحا ليومهم «الرمضاني»، فيعبّرون عن رفضهم وغضبهم بسلوكيات مشينة قد تنتهي بشجار ساخن يكون المتهم الأول والأخير فيه «الصيام».
وبالرغم من أنه عبادة وأحد أركان الإسلام الخمس، إلا أنه تحوّل في رمضان إلى «أدرينالين» مُحفزة للعنف والسب والشتم، فكيف استطاع «الأنا» الجمعي المزج بين سمو الروح بالعبادة وبين النفس الأمارة بالسوء، «الخلطة» المستحيلة أعطت البعض التبرير «المقنع» ؟؟؟ لكل تجاوزاتهم السلوكية والمعنوية اتجاه الآخر، «فيكفي أن يصوموا «ليكشّروا» عن مكنونات النفس الدنيئة وغير السوية، لتكشف كلماتهم البذيئة والبعيدة عن آداب الاحترام والتحضر عن شخصية مُهلهلة تُحاول جاهدة التخفي وراء «الصيام»، فلا يمكن أن تكون العبادة «محفزا» لبعض السلوكيات المرفوضة في المجتمع.

.. تراخ واستهتار

لاحظ الجميع التراخي الكبير خلال الشهر الفضيل في احترام الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية المتعلقة بالحد من انتشار عدوى فيروس كورونا، تحرّر غير مبرر من «قيود» كوفيد-19 فرغم ظهور ثلاث سلالات متحورة احداها السلالة الهندية، تجاوز الجزائري توصيات الخبراء والأطباء.
 ونزل إلى الشارع بلا قناع واق ولا تباعد غير مباليا بخطر الإصابة بالعدوى في صورة هزلية تعبر عن لا وعي عميق وغياب تام للثقافة الصحية وسط المجتمع، ما جعل منحنى الإصابات الجديدة يغير اتجاهه نحو الأعلى، وهو المؤشر الذي اعتبره المختصين تحذيرا جادا يجب اخذه بعين الاعتبار والا كان علينا انتظار موجة ثالثة.
وبرّر الكثيرون حالة اللاوعي تلك بأنها ردة فعل عن الغلق والتشديد في رمضان 2020 عبر عنها الجزائري بتجاهله الوباء وخطر العدوى، أو هي بمثابة هروب نحو الامام بدون أدني حساب لعواقب التهور والاستهتار، خاصة وأن الشهر الفضيل يتميز بانتعاش العلاقات الاجتماعية حيث تكثر الزيارات والتنقلات العائلية، لكن رغم التبريرات تبقى الإجراءات الوقاية الحل الأنجع للحدّ من خطر موجة ثالثة مغايرة للأولى والثانية بسبب السلالات المتحورة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024