الرصاص... قاتل خفي يهدّد صحة المواطنين

لا بنزين «ممتــاز» بدايــــة من الغد

استطلاع: فتيحة كلواز

 فارق السعر البسيط يمنع تذمر المواطنين

 مستقبل الأجيال مرهون بالحفاظ على البيئة

مع حلول الفاتح جويلية، تشرع الجزائر في سحب البنزين الممتاز من محطات الخدمات ليعوضه البنزين الخالي من الرصاص، في إطار تعميم استخدام وقود نظيف للمركبات، حيث يتعين على جميع السيارات استخدامه، للحد من الأخطار الصحية والبيئية لمادة الرصاص في الهواء..

سألت «الشعب» المواطنين عن رأيهم بخصوص قرار سحب البنزين الممتاز واستخدام الخالي من الرصاص، حيث استحسن أغلبهم القرار، نظرا لتأثيراته الإيجابية على صحتهم وبيئتهم، بالإضافة إلى عدم وجود فارق في السعر بينهما.

بنزين صديق للبيئة
سألت «الشعب» توفيق سلامي بمحطة البنزين «سراي» ببرج الكيفان، عن رأيه في سحب البنزين الممتاز من محطات الخدمات وتعويضه ببنزين خالٍ من الرصاص، فأجاب قائلا: «لا أرى في هذا القرار أي تأثير على الحياة اليومية للمواطن، خاصة وأن سعر البنزين الممتاز أغلى من سعر البنزين بدون رصاص بـ0,35 دينار، لذلك وبمعادلة حسابية بسيطة يمكننا القول إننا سنوفر القليل من المال عند اعتمادنا على الرصاص بدون رصاص، ففي النهاية البنزين الخالي من الرصاص هو بنزين ممتاز بدون رصاص».
واستطرد توفيق قائلا: «مادام البنزين الممتاز مضرّا بالبيئة هو أيضا مضر بالصحة، علينا أن نساهم في تسهيل هذه العملية، لأن الرابح الأول هو المواطن، خاصة وأن البنزين بدون رصاص لا يؤثر على محرك السيارات، فقد أكد المعنيون من وزارة الطاقة بعدم وجود مشكلة بالنسبة للسيارات التي تسيير بالممتاز، حيث سيتم إضافة مواد خاصة في البنزين بدون رصاص تمكن السيارات التي تسير بالبنزين الممتاز من السير دون التأثير على محركاتهم».
 ولاحظ في ذات الوقت، أن الكثير من الإشاعات تدور حول البنزين بدون رصاص في كونه «أخف» من الممتاز، ما يعني ارتفاع فاتورة البنزين في الشهر الواحد، لأنه حتى وإن كان سعره أقل إلا أن مدة استعماله أقصر، «فأنا مثلا أقوم بملء خزان سيارتي «سكودا فابيا» كل أربعة أيام بـ2400 دينار، سيتعين علي ملؤه مثلا في مدة أقل بسبب أن البنزين الخالي من الرصاص «أثقل» من البنزين بدون رصاص»، لذلك يتعين علينا انتظار مدة معينة بعد دخول القرار حيز التنفيذ من اجل تقييم العملية وتأثيرها على حياة المواطن وميزانيته.
ويرى سفيان جيلاني، أن سحب البنزين الممتاز خيار فرضته أولوية الحفاظ على البيئة التي تعرف في العقود الأخيرة تأثيرات كبيرة بسبب الاحتباس الحراري، حيث قال: «لا يمكن ربط حياة الإنسان بدينار أو دينارين فارق سعر بين نوعين من البنزين. حقيقة أن سعر البنزين الممتاز أغلى، إلا أن الأمر أكبر من السعر، فحياة الإنسان وصحته أولوية كبرى، ولا يكفي أن نحمي حياة الأجيال الحالية، بل علينا التفكير أيضا في الحفاظ على صحة وبيئة الأجيال القادمة التي ستأتي بعدنا».
وأضاف سفيان ملاحظا: «أثرت ظاهرة الاحتباس الحراري على مدار عقود من الزمن على مناخ الكرة الأرضية، ولعل ما نعيشه من ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الفصلية وكذا شح الأمطار هو نتيجة حتمية لتهاون الإنسان تجاه البيئة التي تحولت مع مرور الزمن إلى ضحية حقيقية لأطماع الإنسان في استغلال خيرات الأرض، من غابات وثروات معدنية وأحفورية، لذلك كان من الضروري التفكير في الطريقة الأسلم والأنجع لحمايتها، لذلك جاء منع استعمال البنزين الممتاز الذي يحتوي على الرصاص في هذا السياق، خاصة وانه لن يكون له تأثير على ميزانية المواطن».
وذكّر سفيان في سياق حديثه إلى «الشعب»، برفع أسعار الوقود وما صاحبه من تذمر شعبي، مؤكدا أنه رغم الزيادت لم يتقلص الاستعمال اليومي للوقود، لذلك كان الأولى التفكير في طريقة للمحافظة على البيئة بعيدا عن إثارة الرأي العام، خاصة وأن الجزائر ملتزمة باتفاقيات دولية وإقليمية متعلقة بأخطار مادة الرصاص على البيئة».

التأثير على محرك السيارات
رشيد جبالي، ميكانيكي، سألته «الشعب» عن حقيقة الإشاعات التي تفيد بتأُثير سحب البنزين الممتاز على محرك السيارات، حيث نفى قائلا: «يروج البعض إشاعات كاذبة حول استعمال البنزين دون رصاص، رغم أن الحقيقة عكس ذلك تماما، فلن يتأثر محرك السيارات باستعمال البنزين دون رصاص، لأنه آمن تماما لمختلف أنواع محركات السيارات، فأفضلية البنزين الخالي من الرصاص ليست مرتبطة بالبيئة وصحة الإنسان فقط، بل مرتبطة أيضا بتحسين أداء السيارة بمنحها القوة الحقيقية المحددة لها، لأن البنزين الممتاز الذي يحتوي على الرصاص يقلل من قوة المحرك، إلى جانب أنه يوفر حماية أكبر لمحرك السيارة نتيجة تغيير زيته على فترات أطول ما يقلل من تآكل أجزاء المحرك، كما يطيل عمر شمعات الاحتراق (لي بوجي) ونظام العادم في السيارة (الشاكمو)».
 ولعل الأهم بالنسبة لرشيد، أن عملية استبدال البنزين الممتاز ببنزين خالٍ من الرصاص لا يتطلب أي تعديلات على محرك السيارة، باستثناء تعديلات بسيطة على بعض الأنواع القديمة. أما فيما يتعلق بما يتداوله الشارع حول البنزين الخالي من الرصاص، كونه أخف من البنزين الممتاز ما يجعله يتبخر بسرعة.
وأوضح رشيد، أن الدراسات والتجارب الميدانية أكدت أن الفارق بين سرعة تبخرهما قليل جدا، لذلك لا يمكن جعلها ذريعة لرفض سحب البنزين الممتاز، لأن القرار مرتبط بصحة المواطن وبيئته بالدرجة الأولى بسبب التأثير السلبي للرصاص المنبعث من عوادم المحركات عليهما، فأوروبا اليوم انتقلت إلى مرحلة تخلت فيها عن استخدام البنزين واستبدلته بالكهرباء في تكريس واضح لاستعمال الطاقة النظيفة.

الموت البطيء
أما نصيرة شرقي، مختصة في التخدير والإنعاش، فأكدت أن عوادم السيارات تشكل خطرا حقيقيا يتهدد صحة الإنسان وبيئته، لذلك كان من الضروري التحول إلى وقود أقل تلويثا للهواء لتقليص تأثيراته السلبية، فقد ربطت الأبحاث والدراسات العالمية بين بعض المشاكل الصحية والتعرض لفترات طويلة لتلوث الهواء، حيث تشمل هذه الأمراض الوفاة المبكرة، تشوه الأجنة وسرطان الرئة.
وأوضحت شرقي، أنه بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 43 بالمائة من حالات الانسداد الرئوي المزمن يسببها تلوث الهواء، بينما يكون مسئولا عن 29 بالمائة من جميع حالات سرطان الرئة والوفيات بين مرضاه. كما أظهرت الأبحاث العالمية ارتفاع خطر الوفاة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية في المناطق ذات مستويات عالية من تلوث الهواء.
فيما أكدت الأبحاث العلمية، أن تعرض المرأة الحامل للهواء الملوث يعرضها لمخاطر الولادة المبكرة.
أما عن مادة الرصاص الموجودة في البنزين، شرحت المتحدثة أن هذه المادة التي تنتشر في الهواء بسبب عوادم السيارات، يمكنها أن تعيق إنتاج الجسم للكريات الحمراء، ما قد يسبب تلفا في المخ والكبد، إلى جانب أعضاء أخرى في الجسم. كما تشمل أعراض التسمم بالرصاص فقر الدم، الصداع، التهيج والضعف وكذا إصابة البعض ممن يتعرضون لهواء ملوث بمادة الرصاص بألم في البطن، القيء، الإمساك وفي بعض الأحيان المغص الرصاصي، إلى جانب نوبات تشنج وشلل قد تكون في بعض الأحيان قاتلة.
في ذات السياق، استحسنت المتحدثة سحب البنزين الممتاز، خاصة وأن القرار اتخذت منذ سنوات، لكن تطبيقه يتأخر في كل مرة، بالرغم من ضرورة الخطوة.

مشكل صحي وبيئي خطير
عن سبب وجود الرصاص كمادة مضافة على وقود البنزين، يجب أن يعلم القارئ أن البنزين بوضعه الطبيعي في بدايات القرن الماضي، كان يسبب ما يسمى «طرقات» للمحرك (أو ما يسمى أيضاً «أزيز» و»فرقعات») نتيجة الاحتراق المبكر عند دوران المحرك، لذلك وبعد بحث طويل توصل كل من جيبسون وهارى ريكاردو في إنجلترا، وتوماس ميدجلي، وتوماس بويد في الولايات المتحدة، إلى أن إضافة مركبات الرصاص يساعد في تحسين أداء البنزين بمنع تلك «الطرقات»، ما أدى لانتشار استخدام مركبات الرصاص في العشرينيات من القرن العشرين.
لكن وبعد عدة عقود من تداول البنزين المحتوي على الرصاص، وتفاقم المشكلة البيئية حول العالم، وتحديد الخطر الصحي والبيئي لمعدن الرصاص المنبعث من عوادم المحركات، قررت الدول الصناعية تقليل استخدام الرصاص كإضافات منذ 1980 في معظم بلاد العالم.
وتم استبداله بمركبات أخرى تقوم بنفس الوظيفة، منها الهيدروكربونات الأروماتية، اللإيثيرات، الوقود الكحولي (غالبا الإيثانول أو الميثانول)، أي أن إزالة الرصاص لم تؤثر على أداء المحركات بسبب وجود تلك الإضافات البديلة والتي حلت محله تماماً.
أي وببساطة، أن استخدام السيارات التي كانت تسير سابقاً بالوقود المحتوي على الرصاص للوقود الخالي من الرصاص، لن يسبب بأي حال من الأحوال أي ضرر على المحرك، نظراً لكون مكونات الوقود الأساسية بقيت كما هي بفضل استبدال الرصاص بإضافات أخرى تؤدي وظيفته بشكل مثالي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024