ضــرورة جــرد الإمكانـات ومخطـطات للتنميـة والتهيــئة الغابيـــة
تؤكد مديرة تسيير الثروة الغابية والحلفاء بالمديرية العامة للغابات آسيا عزي، أن المرسوم التنفيذي 25-200 المتعلق بجرد الثروات الغابية الوطنية وتسييرها المستدام والتنمية الغابية، خطوة مهمة نحو تعزيز الإدارة المستدامة للثروات الطبيعية، وتطوير آليات تسيير الثروة الغابية الوطنية، فضلا على أنه يعكس التزام البلاد بالحفاظ على غاباتها وتنميتها، مع الأخذ في الاعتبار التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة.
قالت عزي في حديثها مع «الشعب» «إن المرسوم التنفيذي رقم 25-200 يمثل نقلة نوعية في مقاربة الجزائر لتسيير ثرواتها الغابية، مقارنة بالقانون رقم 84-12 المؤرخ في 14 جوان 1984، الذي كان يتضمن النظام العام للغابات، ويركز بشكل أساسي على جرد الغابات ومخططات التهيئة، إلا أنه كان يفتقر إلى مرسوم تنفيذي يحدد آليات تطبيق هذه الأحكام بشكل مفصل».
وأبرزت أن أحد أبرز الفروقات الجوهرية يكمن في شمولية المرسوم الجديد وقدرته على التكيف مع التحديات الحديثة والاتفاقيات الدولية، فالقانون 84-12 لم يكن يتناول قضايا مثل التنمية المستدامة، التنوع البيولوجي، أو التغيرات المناخية وتأثيراتها على الغابات، والتي أصبحت اليوم من الأولويات العالمية والوطنية، مضيفة أنه على سبيل المثال، لم يكن القانون القديم يأخذ في الاعتبار المشاكل المتزايدة للجفاف أو الحاجة إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي في ظل الاتفاقيات الدولية الحديثة.
وأوضحت أن المرسوم الجديد، جاء ليعالج هذه الثغرات، حيث يهدف إلى ضمان ديمومة الخدمات البيئية التي توفرها الغابات، وينفذ أحكام قانون الغابات لسنة 2023، فهو يعنى بتنظيم التسيير المستدام للثروة الغابية، ويشمل جردها وتنميتها، مع التركيز على الجرد الميداني والاستشعار لجمع المعطيات وتحليلها لتقييم حالة الثروة الغابية.
وقالت «هذه العملية ستزود الإدارة المكلفة بالغابات بالمعطيات اللازمة لتحديد محاور التسيير المستدام، مما يسمح بتنظيم وضبط الفيضانات، الجفاف، تدهور الأراضي، نوعية الهواء والمناخ، بالإضافة إلى إمكانات استخدام الغابات للتسلية والترفيه وخدمات أخرى».
وأبرزت عزي أن المرسوم الجديد يحدد أولويات التسيير، حيث تكون حماية الثروة الغابية هي الأولوية القصوى، تليها الأنشطة الاقتصادية المستدامة مثل استغلال الخشب والموارد غير الخشبية وتربية النحل والسياحة البيئية، شريطة ألا تتعارض مع هدف الحماية الأساسي.
وأشارت عزي إلى أهمية الفضاءات الغابية، إذ تعتبر أكثر من مجرد مساحات خضراء، فهي أنظمة بيئية حيوية تقدم مجموعة واسعة من الخدمات البيئية والاقتصادية الضرورية للتنمية المستدامة ورفاهية الإنسان. وقد أكدت مديرة تسيير الثروة الغابية على هذه الأهمية، مشيرة إلى أن الغابة تقدم خدمات إيكولوجية متعددة ومهمة للتنمية المستدامة، تشمل تثبيت الكربون، الحفاظ على الدورة المائية، حيث تساعد الغابات في تنظيم الدورة الطبيعية للمياه، من خلال تقليل جريان المياه السطحي وزيادة تسربها إلى التربة، مما يغذي المياه الجوفية ويحافظ على مستويات المياه في السدود، مكافحة الانجراف والتصحر، بحيث تعمل جذور الأشجار على تثبيت التربة، مما يقلل من خطر الانجراف بفعل الرياح والمياه، ويساهم في مكافحة التصحر، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، تحافظ على التنوع البيولوجي، حيث توفر الغابات موائل طبيعية لمجموعة واسعة من الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات والحيوانات والفطريات، مما يحافظ على التنوع البيولوجي ويحميه من الانقراض، وتحمي السدود والموارد المائية، حيث تعمل الغابات المحيطة بالسدود ومصادر المياه على حماية هذه الموارد من التلوث والترسبات، مما يضمن جودة واستدامة إمدادات المياه.
من جهة أخرى، قالت عزي إن الجزائر تطمح لاستعادة الدور الاقتصادي للغابات، وتنشيط النشاطات الاقتصادية على مستوى الفضاءات الغابية، كل جهة حسب تخصصها، مثل إنتاج الخشب، حيث توفر الغابات الخشب كمادة خام للعديد من الصناعات، بالإضافة إلى منتجات غير خشبية مثل الفلين، الفطر، النباتات الطبية، والعسل من تربية النحل، السياحة البيئية والترفيه، حيث تجذب السياح والزوار للترفيه والاستجمام، مما يساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال الأنشطة السياحية والخدمات المرتبطة بها، وكذا تحمي من الكوارث الطبيعية وتقلل من الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والانجرافات، مما يوفر على الدولة تكاليف باهظة لإعادة الإعمار والتعويضات.
إلى جانب ذلك توفر إدارة الغابات والأنشطة المرتبطة بها فرص عمل للسكان المحليين، سواء في مجال الحماية، الجرد، الاستغلال المستدام للموارد، أو السياحة البيئية، لذلك يؤكد المرسوم الجديد على أهمية التسيير المستدام للثروة الغابية الذي يقوم على معرفة هذه الثروات وعلى مخططات تنميتها وتسييرها، مع الأخذ في الاعتبار كافة هذه الخدمات لضمان تحقيق التوازن بين الحماية والاستغلال الرشيد، وهذا لا يكون -حسب عزي - دون جرد شامل لجميع الإمكانات المتوفرة في الغابات الوطنية والخدمات الايكولوجية، وبناء عليه يوضع المخطط الوطني للتنمية الغابية، مشيرة إلى القيام بجرد أول في 1979 -1984، وجرد ثاني أنجز بين سنوات 2000 و2008.
والآن، تم الانطلاق في جرد جديد ميداني منذ 2021، ويتولى العملية المكتب الوطني للدراسات الخاصة للتنمية الفلاحية «بنيدار»، وعند الانتهاء من الجرد ندخل في مرحلة إعداد المخطط الوطني للتنمية الغابية، يتضمن بدقة حجم الخشب المتوفر، حالة الأشجار، وضعية الغابات، التشجير، انطلاقا من المعطيات الميدانية، ثم إعداد مخططات التهيئة ومخططات تسيير تدوم لـ15 أو 20 سنة، تأخذ بعين الاعتبار نشاط السكان الجواريين للغابة، مثل الرعي، تربية النحل، إنتاج الخشب.
وذكرت عزي أن الغابات فوق 3 آلاف هكتار ستستفيد من مخططات تهيئة وتسيير، والغابات الأقل من 3 آلاف هكتار يتم إعداد مخططات تسيير لها فقط، موضحة أن مصالح الغابات حددت أهدافا للوصول إليها آفاق 2030، من بين هذه الأهداف تهيئة غابة القل، بني صالح بقالمة، واستعادة النشاطات الاقتصادية التي تعرف بها هذه المناطق، سواء في إطار تعاونيات أو استثمار فردي، مع تقديم دعم تقني من طرف الدولة.
ورأت عزي أن المخططات الجديدة، بما فيها خرائط مخاطر الحرائق وأماكن التخييم المنظمة، ستسمح بالتقليل من الكوارث البيئية وتحقيق انسجام بين جميع الأنشطة والخدمات التي توفرها الغابة، بما يفتح المجال أمام اقتصاد غابي مستدام يوازن بين الحماية والاستغلال.