طبيب الاستعجالات يحذّر من عواقب العلاج بـ”القْطِّيع”..

ممارسات لا ترحم.. حساسيات واختناقات مميتة للأطفال

جمعتها: نضيرة نسيب

يتطرّق طبيب الاستعجالات الدكتور فتحي بلام، اليوم، إلى ظاهرة خطيرة يعتمدها أشخاص كُثر في علاج أوجاعهم متحجّجين ببركة اليد المعالجة والتي يمكنها أن تخفف أمراضا خطيرة لأنها ـ بحسبهم ـ بكل بساطة تختزل طريق المستشفيات، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما فهذه التصرفات اللاعقلانية تؤخر عملية الكشف عن الأسباب الحقيقية للمرض من طرف الطبيب العام أو الأخصائي مما يمنع تدخله العلاجي في الوقت المناسب وهكذا إلى غاية وقوع أضرار لا يتخيلها العقل.. ولا رجعة فيها إلى طريق الشفاء والنجاة إلا في بعض الحالات وبنسب قليلة جدّا.

 الشعب: بما تصفون ظاهرة “القْطِّيع” المنتشرة في مجتمعنا؟
 الدكتور فتحي بلام: “القْطِّيع” كلمة متداولة بين عامة الشعب الجزائري وتعني اللجوء إلى شخص غالبا ما يكون كبيرا في السن ولديه بركة للتداوي وتكون متوارثة في العائلة أب عن جد يعني “معطيتلو”ّ.. من هو هذا “لي معطيتلو” وكيف “عطاهالو”. أولا في الحكم الشرعي المرفق أي علاج بعد الطب يخرج عن إطار الرقية الشرعية والحجامة وبعض الأعشاب الطبية فهو مشكوك في أمره ولا يجوز.
للعلم أن أغلب الناس تتجه إلى ما يسمى “القْطِّيع” عند الإصابة بالأمراض المعروفة منها الإسهال عند الأطفال أو ما يعرف ب«الجداة” بالعامية وهي gastro-entérite virale، الصفاير أوictère، خو لولاد أو  convulsion مرض الحل أو rachitisme، البلغم أو النخمة المصاحبة  لـ bronchiolite  الشقيقة أو migraine وغيرها من الإصابات.
 ما خطورة عملية “القْطِّيع”؟
 عندما يُقدم الشخص على استعمال أعشاب معروفة يكون تأثيرها نسبي أو أعشاب  يجربها الشخص  المعالج  تحت مسمى “معطيتلو” وهذا على إبنه أوّل مرة بطريقة لا يتقبلها العقل ويمكنها ان تكون غير مفهومة بعيدا عن العلاج  بالحجامة على الطريقة النبوية و يقوم بشلط المريض بطرف السكين بكل بساطة دون التخوف من أية عواقب قد تحدث نتيجة ذلك.
 والأمر المحيّر الذي يجعلنا في مرات عديدة عندما نرى حالات خطيرة تأتينا في صورة لا يتقبلها العقل ولا المنطق سوى التفسير الوحيد لذلك هناك أمهات وآباء يسلمون فلذات أكبادهم لأشخاص لا يعرفونهم لكي يقومون بطقوس لا تفهم وغير معروفة، وإن دل ذلك على شيء فهو يعبر عن “شجاعة” هؤلاء الأولياء الذين في الأصل هم المسؤولون عن أطفالهم في الحقيقة ولكن  قلّة الوعي الصحي يجعلهم يغامرون بأولادهم وهم أطفال صغار ليضعونهم في حقل التجارب.
هل يمكن – دكتور - معرفة ما طبيعة هذه الأمراض؟
 يمكن أن نعطي مثال عن ذلك في مرض  الإسهال الحاد الفيروسي Gastro-entérite virale أو ما يعرف بالجداة هو فيروس يمسّ الأمعاء ويبقى مدّة من الزمن حتى يتم الشفاء منه، لكنه يمكنه أن يكون خطرا عندما يحدث جفاف عند الطفل مما يستلزم إعطاء الطفل بسرعة الأملاح بالطريقة الصحيحة والكمية المناسبة وفي أسرع وقت ممكن. هذا المرض يقتل في السنة أكثر من 7 ملايين طفل في العالم مما يستدعي متابعة طبية وأحيانا دخول الطفل إلى المستشفى وهو مرض عالمي ولكن “القْطِّيع” معروف كطريقة علاج فقط في الجزائر والشيء الوحيد المثبت فائدته في هذه الحالة هو “القْطِّيع” باستخدام البصل لكونه مضاد حيوي طبيعي.
 وما هي الحالات الأخرى التي يعرّض فيها “القْطِّيع”حياة الطفل إلى الخطر؟
@@ من بين الأمراض التي يغامر فيها الأولياء أيضا في علاج أطفالهم بـ “القْطِّيع” نذكر مرض بوالصفاير l’ ictère  لأنه إذا كان عند الرضع فهو 50 بالمائة فسيولوجي ويختفي بدون علاج وعندما يأخذ الطفل للعلاج بـ “القْطِّيع” في هذه الحالة يغلب الظن بأنه ارتاح بفضل القطيع، وهو غيّر ذلك لأنه كان سيشفى في الحالتين بمعنى بـ “القْطِّيع” أو بدونه ويقال إنه شفي من مرضه وارتاح بفضل ممارسة هذه العملية. أما فيما يخصّ 50  بالمائة الأخرى فهو يعتبر بوصفاير لديهم مرضي وعنده أسباب تحتاج العلاج في أقرب وقت وإلا سيكون تأثيره على دماغ الطفل سيء جدا قد يؤدي إلى الإعاقة الذهنية الحركية ictère nucléaire. ويعني ذلك إذا كان إبنك مولودا جديدا وتغير لونه واصفر يجب عرضه على الطبيب لإجراء فحوصات محدّدة للتأكد من الاصابة.
 لما يكون عند الأطفال الكبار أغلبية الحالات تحدث بسبب الفيروس الكبدي A وهنا أيضا يشفى منه بدون أخذ علاج ونفس الشيء عندما يعرض الطفل المصاب على “القْطِّيع” يشفى لكن ليس بفضله، لكن يجب الحذر لأن هناك من الأسباب التي لا يتهاون فيها كثيرون ومنها maladie de  Wilson  التي تستلزم أخذ دواء خاص جدا وإلا يمكن أن يصاب الطفل بتليّف كبدي ويدخل في زرع الكبد ومشاكلها بسبب تضييع الوقت جريا وراء “القْطِّيع” بدل التوجّه مباشرة إلى الطبيب.
نجد أيضا مرض rachitisme أو الحل فيه أيضا أنواع منها carentiel بسبب نقص فيتامين د و الكالسيوم و منها rachitisme vitaminoresistant الذي يحتاج متابعة خاصة.
هناك من يلجأ لعملية القْطِّيع لكن العلاج في إمداد إبنك بالمواد التي تنقصه من الفيتامين د مع الوقت سيتحسن عظمه ويشفى لكن إذا ترك بدون علاج طبي ستسوء حالته ولن ينفعه العلاج التقليدي.
أما في ما يخص la bronchiolite virale وهو التهاب القصيبات الهوائية الفيروسي الذي يتسبب في تكون النخمة في الصدر حيث يحتاج الطفل إلى تدخل kinésithérapie  إضافة إلى الدواء وليس نزع النخمة باستعمال القْطِّيع بريشة الدجاج.
 وفي حالة الاصابة بشقيقة la migraine  أو الصداع النصفي وهنا يلزم التأكد من نوعية المرض ليس هناك أسباب أخرى للصداع وإذا فعلا هذه الإصابة تمثل شقيقة يجب استعمال الدواء والاحتياطات اللازمة لانقاص حدّتها وإذا استدعى الأمر ممكن اللجوء إلى الحجامة ربما تنقص منها أو أيضا شرب فنجان قهوة بعد الغذاء يفيد كثيرا...
هناك حالات خطيرة ولربما مميتة تعرض عليكم في المستشفى بسبب القْطِّيع؟
 أنا شخصيا كطبيب استعجالات تعرض علي حالات عديدة أوّل حالة أتذكرها جيدّا ففي إحدى المرّات صادفتني حالة لطفل في عمر 9 سنوات تبين بعد التشخيص أنه مصاب بمرض بوصفاير أخذه والداه عند شخص يعرف لديهم القْطِّيع بعد عدّة أيام  جاءنا إلى المستشفى في حالة إغماء.
بعد الفحص وجدنا ان ضغط الدم لديه مرتفع جدا وكانت تظهر عليه أعراض غيبوبة وانتفاخ في البطن وبعد الأشعة اكتشفنا أن على بطنه نقاط كثيرة تلمع أول مرة أرى مثلها استغربت وسألت الأم هل قمتم بإعطاء الطفل أي شيء من قبل أخبرتني بأنهم “قْطَعنالو” وسألت مرّة أخرى، كيف تم “القْطِّيع”؟ أخبرتني أن العجوز التي قامت بالعملية أوصتهم بإعطاء العسل مع الكحل للطفل حينها أصابني الذهول، لأن الكحل مصنوع من مادّة الرصاص وفعلا الطفل بسببه تسمّم بالرصاص intoxication au plomb ودخل بعدها في غيبوبة coma لمدة طويلة والحمد لله أنه تمكنا من تشخيص حالته بمرض ويلسون  maladie de Wilson وبدأ يأخذ العلاج وتحسنت حالته الصحية في ما بعد وتمكنا من إنقاذه.
الحالة الثانية ليست أقلّ غرابة من الأولى خاصّة أنها حدثت مع رضيع في عمره بضع أشهر، أدخل لمصلحة الاستعجالات بسبب ارتفاع الحمى والسّعال بعد إجراء راديو اكتشفنا شيئا معتّما في صدره قمنا بإعطائه الدواء، لكن بقيت البقعة مكانها اضطرينا لإجراء راديو الجعبة bronchoscopie  للكشف عن ما يوجد داخل صدره، وهنا كانت الكارثة وجدنا غصن سواك في الرئة كان عالقًا ونتج عنه تقيّح عندما سألنا الأم قالت لنا بأنهم أخذوا الطفل لـ«القْطِّيع” على النخمة والعجوزة استعملت السواك في اللهاة وانزلق إلى داخل المجاري الهوائية ولكنها أخفت عنهم الأمر وبالطبع لن يقدّم هؤلاء الاولياء أي شكوى، وهي تبقى تعمل كخبيرة في “القْطِّيع” ويبقى هذا النوع من العلاج الخطير..
 أما الحالة الثالثة فهي لرضيع عمره بضعة أيام أخذ لـ “القْطِّيع” من مرض بوالصفاير وتم وضع مجموعة من الاعشاب على رقبته ويديه وبعدها مباشرة انتفخ الطفل ولم يستطع التنفس بسبب التحسّس من الاعشاب المستعملة وفات الأوان والرضيع توفي للأسف الشديد بسبب الجهل لخطورة هذا النوع من العلاج بالاعشاب.
والحالة الرابعة تمثلت في فتاة في عمر الزهور ممتازة في الدراسة دارت des convulsions أو بما يسمى بخو لولاد، أخذت إلى عدد لا يحصى من المعروفين بالقطيع وبقيت حالة البنت في تدهور حتى وصلت للغيبوبة وبعد ما جيئ بها إلى المستشفى ظهر عندها ورم حميد في المخ الحمد تم إجراء العملية وشفيت الحمد لله.
هذا البعض القليل جدا من الكوارث  التي تأتينا للمستشفى وغيرها من الأمراض والقصص لا تعد ولا تحصى.
ماذا نستنتج دكتور من كل هذه التصرّفات الخطيرة للعلاج بالقْطِّيع؟
 اللّجوء إلى ذكر كل تلك الحوادث هو دعوة الأشخاص خاصّة أولياء الأطفال، لأنهم مسؤولون عنهم، أقول لهم الأحرى التوجّه إلى الطب كوسيلة للعلاج وفي بعض الحالات التي عجز عنها الأطباء إذا استعملنا وسائل أخرى كالرقية الشرعية والحجامة وبعض أعشاب الطب البديل لا بأس به ولكن التداوي كما في الجاهلية بأشياء وخزعبلات بحجج واهية فهي مسؤولية ثقيلة على عاتق الأولياء ومن يدّعي الطب فهو ضامن، كما جاء في معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19482

العدد 19482

الثلاثاء 28 ماي 2024
العدد 19481

العدد 19481

الإثنين 27 ماي 2024
العدد 19480

العدد 19480

الأحد 26 ماي 2024
العدد 19479

العدد 19479

السبت 25 ماي 2024