الاخصائية النفسيـة شيماء مزغيش:

التســرّب المدرســـي مشكـل يعود إلـى الواجهـة

حوار: نضيرة نسيب

 أوضحت في حديث سابق مع جريدة “الشعب” الأخصائية النفسية شيماء مزغيش أن في أغلب الأوقات، عند التقرب من المراهق أو المراهقة خلال الجلسات العلاجية، يتضح أن السبب الرئيس لمشكل التسرب المدرسي هو انقطاع الرباط العاطفي وانعدام التواصل الأبوي بين الابن أو الابنة لا سيما مع أحد الوالدين أو كلاهما من خلال العودة لمرحلة الطفولة المبكرة لتتسع الفجوة التواصلية العاطفية مع مرحلة المراهقة وقد تصل في بعض الحالات وضعية الانسداد التواصلي الكلي الذي يتطلب التكاتف والتعاون بين جميع أفراد العائلة من خلال تبني العلاج الأسري الذي  يعطي لدى عدد كبير من الحالات نتائج فعالة لمشكل التسرب المدرسي.

-  ما علاقة التسرب المدرسي بمرحلة المراهقة؟
 لأخصائية النفسية شيماء مزغيش:
 عندما يدخل الطفل فترة المراهقة تظهر عليه تغييرات هرمونية وجسمية ويبدأ أثناءها في ممارسة الانطوائية، علما أنه على العكس في حالة تمكن الأولياء من صنع علاقة جيدة بين الآباء وأبنائهم يمكن أن تنقص درجة الانطوائية لديهم، حيث يخفض من نسبتها بصفة كبيرة، لأنّ الطفل كائن اجتماعي فنجده في حالات عديدة لا ينطوي فيها بنسبة كلية، حيث يقوم بمخالطة أشخاص آخرين من المحيط الاجتماعي الخارجي لاسيما الأصحاب والرفاق في الشارع والمدرسة، يبتعد حينها عن علاقته العاطفية والتواصلية مع أسرته، وبالتالي ينغلق عليها وينفتح على غيره خارج محيط بيته، ما يجعله يتبنى أفكارا جديدة مع الوقت تتشكل فجوة تواصلية في العلاقة الأسرية حيث تتوسع وتكبر ويصبح فيها عدم توازن كبير يمكنه هدمها خاصة مع أقرب الناس لذا يتوجب البحث عند عرض مشكل التسرب المدرسي عن الأمور الخفية ليتضح أن من بين أهم الأسباب الرئيسة تسجيل خلل أو غياب جزئي أو كلّي تواصلي في العلاقة الأسرية.
-  كيف يمكن أن يصلح الأولياء علاقاتهم العاطفية مع أبنائهم المراهقين؟
 هنا يمكننا التأكيد على أنه في بعض الحالات قد يتحول غياب دور الوالدين في التربية العاطفية خاصة الأب غيابا يكاد يكون منعدما خاصة في مرحلة المراهقة، وهي تشكل حلقة مهمة بالنسبة للعلاقة التي تربط الإبن أو الإبنة مع والديهما، علما أنّ عدم توفرها يوصلهما إلى فجوة تواصلية عميقة ـ كما سبق وأن شرحت ـ وهذا ما يخبرنا عنه المراهقون في الحصص العلاجية، حيث نكتشفه لدى المراهق كعينة مجهرية تتكرر أيضا من خلال ما يسرد في الجلسات التي تجمعنا مع هؤلاء، عندما نجدهم يبوحون بكل ما يجعلهم في حالة انطواء أو تمرد. وتختلف ردود أفعالهم في كلّ مرة باختلاف حالاتهم النفسية ووضعياتهم وعلاقاتهم العاطفية مع أسرهم.
-  ماهي أهم الحلول التي يمكن اعتمادها لإصلاح العلاقات الأسرية لا سيما بين المراهق ووالديه؟
يمكن للأولياء إصلاح علاقاتهم العاطفية بالعودة إلى البداية فعندما يكون الطفل لديه روابط جيدة مع أمه أو أبيه تنقص الانطوائية كما سبق وأن ذكرت، فالتواصل مع الأبناء في سنّ مبكرة خاصة من جهة الأب المعروف في الغالب بأنه قد لا يهتم بالتواصل مع ابنه أو ابنته في مرحلة مبكرة، سواء لانشغاله مع العمل أو لعدم اهتمامه بهذا الجانب المهم الذي يمثل مفتاح العلاقة التي تربطه مع أولاده ويتخلى عنها جزئيا أو كليا. حيث نجد أنّ الأم هي من تعوض حضور الأب العاطفي، حيث تغرق أطفالها بكم هائل من العطف والحنان وتعبر عنه بالاهتمام في معظم الحالات تقريبا، أما الأب فبالكاد يكون حاضرا على المستوى العاطفي وهذا ما يكشفه لنا المراهقون.
-  أمام ما يبوح به المراهقون من نقص التفهم العاطفي، هل من نصائح مفيدة وفعّالة تجنب  الأولياء تسرب أبنائهم من المدارس؟
 معظم المراهقين يذكرون أنّّ لبّ مشكلتهم هو اهتمام الأولياء بتوفير الجانب المادي لهم وإهمال الجانب التواصلي العاطفي، لذلك نجد الكثير منهم لا يقبلون الانفتاح ومناقشة مشاكلهم النفسية مع آبائهم ويفضلون الانطواء أو الهروب نحو حلول يقترحها عليهم محيطهم الخارجي، مثل اقتراح عدم إتمام الدراسة فالفتى المراهق يسعى إلى ذلك دون قبول أيّ مناقشة مع والديه ولا يسمح بفتح المجال أمام أبيه، لأنه لا يعتبره مهتما بأموره، مبررا ذلك بقوله إنه كان منذ صغره غائبا عنه لا يمكنه اليوم أن يأخذ أي قرار في مكانه، وكذلك الفتاة فنجد فتاة مراهقة صغيرة في السنّ تختار التوقف عن الدراسة ليس للذهاب للشارع أو للبقاء في البيت، بل من أجل الزواج برجل يكبرها بعشرات السنوات، بحسب التحليل للمعطيات الخاصة بها، إنّها وجدت فيه ما يعوضها عن احتياجاتها العاطفية التي لم يمنحها إياها والدها في صغرها، لذلك نجدها تأخذ قرارات متهورة وتهدّد بترك البيت، وذلك في الأصل يحدث لجلب الانتباه، وهذا التهديد العاطفي يمارسه لاسيما المراهق أو المراهقة على كل من أبويهما وهناك من يقوم بممارسة ابتزاز في الأول مادي ويتحول إلى مساومة عاطفية، سواء بوضع خطة درامية للانتحار أو الاختفاء لأيام وهناك من أصبح يفكر في «الحرقة» وغيره من الحلول غير المنطقية لتبرير توقفهم عن الدراسة، لذلك أنصح الأولياء بوضع واقتراح حلول بسيطة دون إظهار رضوخ لتهديد وابتزاز ابنهم أو ابنتهم وترك حرية الاختيار قابلة للتشاور والنقاش في ما يريده المراهق مع توجيه اختياراته بأسلوب مرن وذكي يقلل من حدة التوتر في العلاقة الأسرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024