الأخصّائـية النّفسانيـة العيادية..هــدى مخلوفي لـ “الشعـب”:

خلايـا إصغـاء لإعــادة ترتيـب البنـاء النّفسي المريض

سعاد بوعبوش

 التّمكين مـن تقنيــــات تسيــير الانفعــالات وسيلـــة هامّــة للتّعـــافي

 تشكّل المرافقة النفسية والاجتماعية ركيزة أساسية في علاج مرضى السرطان، ومرافقتهم طوال مراحل العلاج بداية من التشخيص مرورا بمرحلة الإعلان عن المرض، وبدء مرحلة المقاومة ومحاربة المرض الخبيث، لهذا يتم الحرص على التوجيه نحو الأخصائيين النفسانيين، الذين يقع عليهم تحضير المريض لمرحلة جديدة من أجل خوض معركة العلاج، والخروج بأقل الآثار واكتساب تقنيات ومهارات إيجابية تساعده على التمسك بالحياة لآخر لحظة أو الخروج منها بسلام واطمئنان.
 
تؤدّي خلايا الاصغاء المنتشرة عبر مختلف المؤسسات الصحية الجوارية وكذا الاستشفائية دورا هاما في التكفل النفسي بمرضى السرطان، ومن ذلك خلية الإصغاء لمرضى السرطان على مستوى المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بوشنافة بالتعاون مع مركز السرطان بمصطفى باشا، حيث تؤكّد مخلوفي هدى أخصائية نفسانية عيادية رئيسية في مصلحة سرطان الثدي، أنّ الاصغاء للمرضى مرحلة مهمة جدا، وهذا لأن العامل النفسي مهم في كل المراحل، خاصة وأن هذا المرض يسمى بالمرض النفسي الجسدي، والذي يعني أن هناك عوامل نفسية وأخرى جسدية تؤدي إلى خروجه للوجود.
وحسب مخلوفي فإنّ عملية الاصغاء في حد ذاتها تعني أن المريض بين أخصائيين موثوقين وذوي كفاءة، يوفّرون له التقنيات اللازمة في مختلف المراحل، سيما مع بداية مرحلة التشخيص أي مرحلة الفحوص الطبية أو ما يسمى بمرحلة الانتظار والقلق التي تنتاب المريض، وفيها الكثير من الأفكار السلبية والتوقعات.
وأوضحت الأخصائية أنّ خلية الاصغاء تقوم بدورها قبل مرحلة التشخيص إلى آخر المراحل في سيرورة العلاج، بحيث توفّر للمريض الاحتواء ومركز ثقة وأمان للتعبير عن أفكاره ومخاوفه وأحاسيسه وتوقعاته، وتقديم إجابات علمية منطقية بعيدا عن كل التفسيرات السلبية أو المغلوطة التي تلقاها سواء من الانترنت، أو في قاعة الانتظار.
وأشارت المتحدثة إلى أنّ وظيفتهم هو إعادة ترتيب المعاش النفسي لمريض السرطان لتخفيف المخاوف ومعرفة وضعيته، حيث يتم إدخال المريض في حصة التربية العلاجية، علما أنهم ليسوا مسؤولين عن إعلان التشخيص الذي هو فعل طبي من صلاحيات الطبيب المختص، ويكون عندما تتوفر كل المعطيات البيولوجية والفحص والتصوير الاشعاعي.
وحسب مخلوفي تشكّل عدم تسمية المرض مرحلة هامة لأنّها تعبّر عن رفضه للمرض، لهذا يتم العمل على بناء استعداد نفسي من خلال تهيئته وطرح الأسئلة لمعرفة محتوياته العقلية، وفكرته حول المرض إذا ما كانت سلبية أو إيجابية، وهنا تبرز أهمية المرافقة للمريض وأحيانا يكون السند الاجتماعي الذي هو مهم جدا، وفي حال غيابه لابد من مرافقة نفسية عاجلة.
وبخصوص وصول المريض لخلية الإصغاء، أوضحت الأخصائية النفسية أنّها تختلف حسب حالة المريض، فهناك من يتحلّى بالوعي وهو من يبحث عن المختص النفسي لتوجيهه وإفراغ مكبوتاته ومخاوفه، وهناك من يتم نصحه أو توجيهه من الطبيب بعد ظهور علامات عدم التقبل، حيث يتم التكفل به لأن المريض يمر بعدة مراحل، مرحلة الصدمة والدهشة ورفض التقبل والمتابعة والبحث عن تشخيص آخر، مرحلة الغضب، مرحلة المساومة حيث يبدأ البحث عن الحلول البديلة رغم أنها تعبر عن بداية مرحلة التقبل، مرحلة الاكتئاب التي تكون بفقدان الشهية أو زيادتها، ضعف الجسم العزلة.
وقد يكون هناك اكتئاب مقنع، بحيث يظهر أنّ المريض يمارس حياته بصفة عادية، إلا أنه بداخله حزن كبير وهو أمر طبيعي، ورد فعل عن الحالة المرضية التي يعيشها، وأخيرا مرحلة التقبل حيث يبدأ بالبحث عن الحلول الجدية للمرض التي تعطي الالتزام بسيرورة العلاج وتعاون إيجابي، وجسمه يستجيب للعلاج ويتشافى جسمه بطريقة جيدة جدا.
وأوضحت مخلوفي أنّه بعد كل هذه المراحل يبدأ بناء نظام نفسي جديد، من خلال تعلم التحكم في تقنيات تسيير انفعالاته أو ما يسمى “سيرورة عصبية هرمونية مناعية”، تنظيم نفسه وإعادة طاقته من جديد، تسيير ردود أفعاله في مختلف مجالات عمله، وتمكينه من تقنيات حل المشكلات التي تواجهه، ما سيكسبه مناعة وتسيير هرموناته الكيميائية التي قد تؤثّر على صحته وبالتالي التشافي، وفي حال وجود انتكاسة يمكن الخروج منها بسرعة وبتكيف أكبر، وهو ما تسميه الأخصائية بالتجربة الإيجابية.
العامل الجيني لا يظهر للوجود
إلاّ بتوفّــــر العامـــل البيئــــي
 وفيما تعلق بالمتابعة النفسية، أشارت المتحدّثة إلى أنها تكون على ثلاثة محاور رئيسية، مرحلة الوقاية الاولية التي تكون في البداية لدى الانسان الذي يعيش حالات وراثية للسرطان وسط عائلته، حيث بإمكانه الاستفادة من متابعة نفسية لتفادي الأفكار السلبية، الاعتماد على الفحص المبكر للاطمئنان على حالته، ويكتسب مقومات نفسية تساعده على المشكلات وتسيير الانفعالات حتى تكون شخصيته قوية ومناعة قوية، وبالتالي مستحيل أن يقع في المرض لأن العامل الجيني إذا لم يتوفر له عامل بيئي لن يظهر المرض نهائيا.
الوقاية الثانوية تكون عند ظهور المرض، بحيث يتم العمل على كيفية المتابعة وتسييره بأحسن طريقة، وبأقل الآثار ويشفى بسرعة، أما الوقاية الثالثة والتي تكون في المرحلة الأخيرة للمرض عند انتشاره في الجسم، حيث تكون الرعاية النفسية هنا رعاية نهاية الحياة، من خلال تقديم متابعة نفسية خاصة حتى يتقبّل وضعيته، وتفادي الوقوع في الاكتئاب المزمن الذي يجعله ينسحب من الحياة، لهذا يتم تحضيره حتى يختم حياته بأحسن صورة، ويكون مرتاحا نفسيا ومرتاحا مع محيطه ومتصالحا مع ذاته ومع الآخرين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024