حرب الذاكرة بين الجزائر وفرنسا

لوبيات لم تهضم الاستقلال تعرقل الفصل في ملفات عالقة

فنيدس بن بلة

كيف يمكن للإعلام لعب دوره في المرافقة للتعريف بقيم الثورة التحريرية، رموزها ومرجعيتها في البناء الوطني وإيصال رسالتها التحررية إلى الأجيال كما هي باعتبارها أساس الحفاظ على الذاكرة الوطنية؟ وإلى أي مدى كان الإعلام منصفا في نقل الشهادات الحية لصناع الثورة صغرت أمامهم الأشياء وكبر الوطن وظلت كلمة “النصر اوالاستشهاد” تردد على الالسنة في كل مكان وزمان؟

انها اسئلة طرحت في منتدى “الشعب” أمس من قبل متدخلين، إعلاميين ومهتمين بالتاريخ الوطني أجاب عنها باسهاب وزير المجاهدين الطيب زيتوني معيدا الى الأذهان أن البرنامج المسطر غايته ليس فقط التعريف بخصال من فجروا ثورة نوفمبر واقسموا على خوضها من اجل الاستقلال، لكن الترويج لأبعاد الثورة التي تستهدف تحرير الإنسان والأرض وإعادة بناء الدولة الجزائرية قوية بخصوصيتها وفية لمبادئها غيورة على استقلال قرارها السياسي وسيادتها التي استرجعت بأقصى درجة المقاومة والنضال غير قابلة للمساومة والتنازل لأي كان.
توقف الوزير مطولا عند تجربة “الشعب” في الاهتمام بالتاريخ الوطني مخصصة له بالإضافة الى المتابعة الآنية للأحداث ،صفحة أسبوعية تنشر من خلالها حقائق وحوارات مع صناع التحرر الجزائري وكتب ومقالات عن نخب تساهم في نفض الغبار عن جوانب لم تنل حقها من العلاج والعناية. كما خصصت الشعب وهي أول جريدة بعد الاستقلال، مفكرة تاريخية في اخر صفحتها تنقل احداث حاسمة فاصلة بدقة وقعت ابان الاحتلال الفرنسي للجزائر وأثناء الحرب التحريرية جاعلة منها محطة منيرة لتاريخ البلاد البطولي.
عبر هذا المسار الإعلامي الذي كسبت من خلاله الشعب التمايز في اعداد ملفات عن إحداث تاريخية لها وزنها ، قيمتها ومقامها ، فرضت الجريدة نفسها طرفا مهما في كتابة التاريخ الوطني الذي يحمل الاولوية والاستعجال. وكانت واجهة في تحريك الملفات العالقة بين الجزائر وفرنسا التي تتمادى في رفض الاعتراف بجرائمها ضد الإنسانية وإعادة فتح قضايا كثيرة تخص الذاكرة الوطنية. وهي ملفات تتوقف عليها اسس بناء علاقات طبيعية ثابتة بعيدا عن تهديدات لوبيات بالضفة الأخرى لا زالت لم تهضم استقلال البلاد وتتباكى على الفردوس الضائع.
من هذه الزاوية اتخذت “الشعب” من ندوة نقاش بمنتداها امس محطة حاسمة أخرى لتسليط الضوء على الذكرى 62 لإضراب الثمانية أيام كاشفة عن التلاحم الشعبي في الثورة التحريرية التي كانت قوة معادلة النضال الوطني وتوازنها بحيث افسدت حسابات المستعمر وعطلت آلياته الحربية وأجهضت مشاريعه ومحاولات إحداث شرخ بين قادة التحرر والشعب، بين الولايات والنواحي. كانت ذكرى إضراب الثمانية مناسبة فتح من خلالها الشعب  ملفات عديدة منها الاعتراف والاعتذار، استرجاع أرشيف الجزائر ، جماجم قادة المقاومة الشعبية والمفقودين وعددهم 2200 شخص منهم موريس أودين الذي اعترفت فرنسا مؤخرا بجريمتها في حقه وكشفت للملا عن نظام تعذيب مورس ضد الجزائريين ومن ساندهم في معركة الحرية وتقرير المصير.
من هذا المنطلق تسير “الشعب” واضعة نفسها في الواجهة الأخرى للنضال من اجل تحريك الملفات العالقة التي لا زال الطرف الفرنسي يتجاوب معها بالكيفية المطلوبة السامحة بتهيئة مناخ للانطلاق في علاقات طبيعية مع فرنسا متحررة من كوابيس الماضي وألغامه واستفزازات بعض الساسة الذين يطلون عليها من حين لاخر عبر الفضائيات بكلمات جريحة يحاولون تبييض وجه الاستعمار. من هؤلاء ما ذكر به الرئيس الاسبق ساركوزي بان الابناء لا يعترفون بما ارتكبه اباؤهم. وقول وزير الخارجية الاسبق كوشنير بان العلاقات بين فرنسا والجزائر لن تعرف الاستقرار والانطلاقة الطبيعية الا بعد رحيل جيل نوفمبر.
هذه الأقاويل التي ترد الينا بلا توقف تعطي الاجابة الشافية عن سبب بقاء ملفات الذاكرة تراوح المكان الواحد وعدم تقدمها خطوة الى الامام. وتظهر ما تمثله “اللوبيات الفرنسية “ التي تعمل ما في المقدرة من اجل الابقاء على هذه الملفات العالقة رغم تشكيل لجنة مختلطة للبحث في الحلول ومعالجة قضايا ذاكرة الحرب التحريرية وتسويتها بهدوء وعقلانية واعتراف اسوة بتجارب دول أخرى عرفت نفس الوضعية والمصير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024