الجزائر وفيتنام

تاريخ مشترك لأعظم ثورتين

فتيحة كلواز

هلك جزائريّون وفيتناميّون في حادثة تحطّم الطّائرة سنة 1974، اختلط فيها دم شعبين حارب آباؤهم وأجدادهم قوّة استدمارية واحدة اسمها فرنسا، لتكتب صفحة أخرى في كتاب تاريخهم المشترك، بعد أن صنعت معركة «ديان بيان فو» سنة 1954 بداية نهاية حقبة استعمارية ذاق فيها الشّعبان شتى أنواع التعذيب والاستغلال.

بعد 47 سنة عن حادثة تحطّم الطّائرة التي راح ضحيّتها 9 صحفيين فيتناميّين و15 صحفيا جزائريا رافقوا الرئيس الراحل هواري بومدين في زيارته إلى جنوب شرق آسيا تضامنا مع الشعب الفيتنامي، الذي كان يحارب القوات الأمريكية المتواجدة بأرضه في تلك الفترة، عادت الذكرى ليسترجع الشّعبان تفاصيلها الدّقيقة، لتكون تلك الرحلة عنوانا لتجديد علاقات تاريخية صنعها عدو مشترك نكّل بالشعبين محاولا بكل قوته اجتثاث جذورهما لصناعة شعب هجين بلا ماضي، لا حاضر ولا مستقبل.
تقاطع تاريخ البلدين في كثير من المحطات، حيث كانت الفيتنام شاهدة على هروب الكثير من الجزائريين من الجيش الفرنسي في معركة «ديان بيان فو» ممّن رفضوا محاربة من هم يعيشون مثلهم تحت وطأة الاستعمار، تخلّوا عن كل شيء والتحقوا بالفيتناميين في نضالهم ضد الاستعمار، فكان فيلم «زهرة اللوتس» لعمار العسكري  بمثابة صورة حيّة سرقت من عمق الأحداث لتروي عن تاريخ الدولتين المشترك، امتزجت فيه كل الأبعاد الإنسانية لثورة الشعبين، فقدوم «حورية» الصحفية الفيتنامية بطلة الفيلم إلى الجزائر للبحث عن والدها بمثابة حلقة الوصل تجاوزت حدود الجغرافيا الفاصلة بين البلدين.
ويذكر الكثير من المؤرّخين أنّ الفيتنام كانت من الدول السبّاقة التي بادرت بإرساء علاقات دبلوماسية مع الجزائر في الـ 28 أكتوبر 1962، كما كانت أيضا الأولى في الاعتراف بالحكومة المؤقّتة للثورة الجزائرية سنة 1958، اعترافا منها بمدى صعوبة الحقبة التي تعيشها الجزائر آنذاك التي كانت بمثابة منعرج تاريخي حرج هو بالنسبة لها مسألة وجود من عدمه، خاصة وأنّ الفيتنام واجهت المحتل قبل الجزائر لتكون تجربتها التحررية شعاع أمل للجزائريين في قدرتهم على هزيمة المستعمر الفرنسي، الذي أذاقه الشعب الفيتنامي طعم مرارة الهزيمة.
بالرغم من الويلات التي عاشوها في حرب الهند الصينية، إلا أن الجزائريّين كانوا يرون بطولات الفيتناميين ضد المستعمر الفرنسي بمأساة كبيرة حتى يكسّروا صورة العدو الذي لا يهزم، فلتجاوز رابع قوّة عسكرية في العالم كانت معركة «ديان بيان فو» تجسيدا حيا لأبيات الشّاعر التونسي أبو القاسم الشابي٬ «إذا الشّعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر»، لذلك صنّفت الثّورة التحريرية الجزائرية والفيتنامية في كتب التاريخ كأعظم ثورتين في القرن الـ 21، لكن قائد معركة «ديان بيان فو» صرّح مرة قائلا: «ثورة الجزائر أعظم من ثورة الفيتنام، لأنّ الجزائر تبعد عن فرنسا بسبعمائة كيلومتر فقط، بينما تبعد الفيتنام عن فرنسا بعشرة آلاف كيلومتر».
لكن من الضروري أن نستخلص العبر من دولتين فتيتين نالتا الاستقلال بعد مواجهة أقوى الجيوش العالمية في القرن الماضي، فالتعامل مع الإرث الاستعماري الفرنسي بين البلدين شكّل فارقا مهما بينهما، فقد استطاعت الفيتنام تجاوز هيمنة اللغة الفرنسية، حيث تمّ استبدالها باللغة الانجليزية، كما تمكّنت أيضا من استرجاع كل مقومات هويّتها وإطلاق عجلة اقتصادها لتصبح أحد الدول الصّناعية المحورية في جنوب شرق آسيا. في المقابل ما زالت الجزائر تتخبّط في ملف الذاكرة الشّائك بسبب رفض فرنسا الاعتراف بجرائمها، وكذا محاولتها الدائمة رغم خروجها من الأراضي الجزائرية الوقوف في وجه كل الوطنيين الراغبين في تجسيد مشروع أمة شامخة بتاريخها، قوية بحاضرها وواعدة بمستقبلها. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024