لم يبق من الشهر الفضيل سوى أيام معدودات مباركات فيهن ليلة القدر التي وصفها الله عزوجل بأنها خير من ألف شهر، هي ليلة للقيام والصلاة والذكر والدعاء، ليلة تفتح فيها أبواب السماء لكل مناد ينادي «يا الله» ولعلها احدى الآهات التي حملت انكسار انسان طوال السنوات الماضية الى خالقها من اقعد الظُلاَّم في بيوتهم خائفين من ابتلاء الله وجنده.
كورونا بعيدا عن صورتها الفيروسية الطبية اعادت الشهر الذي يصفه التجار والباحثون عن الربح السريع بـ«الدجاجة التي تبيض ذهبا الى أصله»، ففيه كان يستغل كل واحد منهم وعلى مستواه الفرصة ليقتطع نصيبه من ضعف الفقراء وعوزهم الى درجة انهم حولوا الشهر المبارك الى عبء كبير على أولئك العاجزين عن تأمين قوت يومهم، بل اقتسموا الشهر بين نصف اول لتجار السلع الأكثر استهلاكا والنصف الثاني لتجار الملابس والاكسسوارات الأكثر اقتناء في العيد، وهكذا «ما جاع الذيب، ما بكى الراعي»، الباكي والشاكي الوحيد هو صاحب القدرة الشرائية الضعيفة.
كورونا إذا وكل تلك الإجراءات الوقائية والاحترازية التي صاحبت انتشاره، أعاد لرمضان جوهره باعتباره شهرا للعبادة بعيدا عن الرياء والاحتكار، فكما يبني الشباب عضلاتهم للتباهي بها على شواطئ البحر، يشتري البعض قميصا مطرزا وسجادة من النوعية الرفيعة ليتباهى بإيمانه في صلاة التراويح التي حولها كثير من المصلين غير المعنيين بخشوعها الى مجرد صعود وهبوط، في مسجد دفتر يسجل فيه حضوره، وهذا أكبر مأساة يمكن ان يعيشها مسلم.
كورونا اليوم أعطت الانسان درسا لا يمكن ان يتعلمه على مدار حياته كلها فلا جبار غير الله ولا رزاق غيره يعطي المال من يشاء ويمسكه عمن يشاء، القوة والضعف بين يديه يهبهما لمن يشاء، لقد طغى الانسان الى درجة الخروج عن الفطرة التي خلقه الله تعالى عليها حتى وصل به الامر الى استحداث جنس ثالث للبشرية لا هو رجل ولا هو امرأة، ما جعله يتجلى في أشرس صُوَرِه مجسدا شخصية الشيطان على وجه الأرض.
كل تلك الشرور التي رأيناها في مختلف الدول التي جعلت الدول العظمى من شعوبها وسيلة لتحقيق مآربها ونفوذها على ثروات أراضيها، كان لا بد له من نقطة يتوقف عندها علّها تكون ساعة يتعلم فيها الانسان انه خلق على فطرة الخير لا شر، ليرى ضعفه جليا في عجزه امام فيروس تاجي لم يستطع إيقاف انتشاره رغم كل ما اتخذ من إجراءات على المستوى العالم.
