منذ شهر مارس الماضي، يُسأل المختصّون أطباء كانوا أو نفسانيين أو علماء اجتماع أو مجتمع مدني عن الإجراءات الوقائية والتّدابير الاحترازية للحد من انتشار العدوى، لكن نتساءل اليوم عن سبب تخاذل البعض في احترامها والالتزام بها رغم أنّ الموت تقترب رويدا رويدا، فبعدما كنّا نسمع عن وفيات الفيروس المستجد كل يوم ابتداءً من الساعة الخامسة من البروفيسور فورار، صرنا اليوم نبلغ عن وفاة أحد الأقارب بعد تعرضه للإصابة.
«الشعب» تابعت تفاصيل حالة عدوى واحد من المتوفين هذا الأسبوع بالفيروس التاجي بعد صراع مع المرض لم تتجاوز مدته ثلاثة أيام بسبب ضعف مناعته التي أنهكتها أمراض مزمنة كالسكري، الربو والقلب، لم يتجاوز من العمر 53 سنة له أبناء وأمّ تبكيه بحرقة وألم.
السيد «ب ــ ح»، من مواليد أحد الأحياء الشّعبية، يقيم بضواحي العاصمة، أصيب بالعدوى أيام فقط بعد عيد الأضحى، حيث نقلت زوجته له وإلى أبنائه الثلاث وأخيه العدوى، كلّهم يقبعون في المستشفى، زوجته في العناية المشدّدة وأبناؤه كذلك، أما شقيقه ففي الحجر المنزلي.
دفعت وفاته إلى التساؤل من أين حملت زوجته العدوى؟ وتبين أنّ عائلتها التي زارتها في عيد الأضحى هي السبب وراء الكارثة التي حدثت، فقد توفي والدها ووالدتها بالوباء واثنين من إخوتها في العناية المشددة في انتظار الشفاء، فهي لم تعلم إصابتهم بالمرض ولم تدر أن والديها توفيا بالوباء القاتل بل كانت تجهل تماما إصابة كل أفراد عائلتها به ماعدا شقيقة لهم تقطن بإحدى الولايات الداخلية.
ذهبت يوم عيد الأضحى لتواسي عائلتها بوفاة والدتها التي توفيت أول أيام العيد، لكنها لم تكن تعلم أن ذهابها سيكون بداية سلسلة العدوى لعائلتها وعائلة زوجها، فبعدها بثلاثة أيام فقط ظهرت عليها أعراض الإصابة ثم زوجها، أبنائها وأخ زوجها، كل من التقته انتقلت له العدوى وهم ينتظرون متى ينتهي الكابوس الذي كان بدايته صلة رحم أوصى الأئمة والمفتون بتجاوزها، لأنها ربما ستكون في الظروف الحالية سببا فيما لا يحمد عقباه.
ولتحديد من نقل العدوى لعائلة زوجة المتوفى أو عائلة «ح – ب»، تبين أن ناقلها أستاذ في جامعة هواري بومدين بباب الزوار، يعمل في إحدى المخابر المختصّة في تحليل العيّنات الخاصّة بكوفيد 19، ورغم أنّ أحد إخوته طبيب مختص في الأمراض السرطانية، إلا أنّه هو من نقل العدوى الى والدته وإخوته وليس شقيقه الذي في تماس مباشر مع المرضى، الكل عانى ويعاني المرض، لكن لا أحد أخبر الأقارب لأخذ احتياطاتهم على الأقل لمنع انتقال العدوى اليهم.
حتى الآن المتوفون أربعة وفي الإنعاش ثلاثة أفراد والباقون في حجر منزلي صارم، أما الأدهى والأمر أن يذهب كل أفراد العائلة أعمام وأخوال وأبنائهم وزوجاتهم إلى المستشفى لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، يجتمع كلهم وجميعهم يعلم أن «ح ــ ب» متوفي بالفيروس المستجد، لكن ما العمل وواجب العزاء أصبح أكبر من حفظ النفس من الهلاك، والغريب الذي يتنافى مع العرف والشرع مرافقة النساء الرجال إلى المقبرة أين دفن المتوفي.
والأغرب أنّه رغم النّتائج الكارثية للعدوى، إلا أنّهم يصافحون ويسلّمون غير مبالين بقائمة الوفيات المفتوحة لثلاث عائلات كاملة، أما تلك التي فضّلت عدم الذهاب إلى الجنازة فتساءل الكثيرون عن السبب وكأنّهم لا يعلمون، بل فيهم من استهجن تصرّفهم وخوفهم من العدوى، إلى الآن لا نستطيع استيعاب ما حدث وكأنّها حلقات سلسلة الواحدة تأتي بالأخرى.
ولذلك يؤكّد المختصّون دائما على ضرورة احترام إجراءات التباعد والوقاية، لوضع حدّ أمام انتشار العدوى لكن الواقع يعكس لامبالاة غريبة من الجميع، وعلى اختلاف مستوياتهم التّعليميّة والاجتماعيّة.







