احتضنت «معاتقة» بولاية تيزي وزو، فعاليات الطبعة الأولى لاحتفالية الفنون والموروث الثقافي، هذه الاحتفالية التي أعادت إلى الواجهة عادات وتقاليد المنطقة التي توارثها السكان عن الأسلاف، وأبرزت الحرف التقليدية وأجمل التحف التي صنعتها أنامل حارسات الذاكرة اللاتي حرصن دائما على الحفاظ على هذه الكنوز التقليدية.

احتفالية الفنون والموروث الثقافي، وعلى مدار خمسة أيام، شهدت مشاركة أزيد من 150 حرفيا وعارضا، حطوا الرحال بـ»معاتقة» التي ارتبط اسمها بالفخار منذ الزمن الغابر، ليكون جواز سفرها إلى قلوب عشاق ومحبي الثقافة وكل من يهتم بالموروث الثقافي وعادات وتقاليد المنطقة، إلى جانب حضور حرفيين من 11 ولاية من ولايات الوطن، ليتزاوج موروث الأهقار بموروث منطقة القبائل، وموروث الشرق بالغرب، وهذا ما زاد من رونق وروعة هذه الاحتفالية التي تحولت إلى فسيفساء ثقافية جمالية ذات طابع وطني.

لوحـــات فنيـة تليــدة..

الفخار، الجبة القبائلية لمعاتقة «جبة امداح»، البرنوس، الزرابي، فضة الصحراء الناصعة بجمال الاهقار والتي زاحمتها فضة جبال جرجرة، زربية تقرت التي تروي حياة النسوة، من خلال الرموز التي تمت حياكتها عليها، الأغاني النسوية التقليدية التي صدحت بها حناجر الفرق النسوية التي قدمت إلى معاتقة من مختلف المناطق مثل «بوزقان»، «اث لقايد»، «الساحل»..إلى جانب أورار نلخالاث من «اث وعبان» بأعالي عين الحمام..أضفت على هذه التظاهرة الثقافية بعدا فنيا متميزا، خاصة وأنها تحاكي الحياة والعادات والتقاليد، فكل هذه المشاهد والصور الثقافية الحقيقية صنعت لوحة جمالية تعبق برائحة الثقافة وحياة الأجداد والأسلاف.
وصرح عضو لجنة تنظيم التظاهرة الثقافية، عيسى فيلالي، أن الهدف من الاحتفالية هو ترقية الموروث الثقافي المادي واللامادي وتشجيع الحرفيات والحرفيين للمضي قدما في هذه الحرف التي كساها الغبار لعديد السنوات، مشيرا إلى أن هذه التظاهرة تعتبر فضاء هاما لتبادل الخبرات والمعارف بين حرفيي المنطقة والحرفيين القادمين من مختلف مناطق ولاية تيزي وزو والولايات الأخرى، على غرار تمنراست، تقرت، الجلفة، إلى جانب الجزائر العاصمة، البيض، أدرار، بجاية وسيدي بلعباس..، ويقول «هذا ما يساعد على ترويج منتوجاتهن وتسويق هذه التحف التقليدية لمختلف الاستعمالات اليومية، إلى جانب اقتنائها كتذكار وتقديمها كهدايا، وهو ما يروج للسياحة الجبلية بمعاتقة التي تعرف بمقوماتها السياحية، خاصة مع مشاركة عديد القرى في مسابقة أنظف وأجمل قرية، ما أهلها لتكون وجهات سياحية تستقطب السياح من مختلف المناطق».

مسابقـة لأجمــل لوحــة تمثيليـة

سطر منظمو احتفالية «الفنون والموروث الثقافي» لمعاتقة في طبعتها الأولى، برنامجا ثريا شمل عدة جوانب، من معرض لمختلف الحرف والتحف، حفلات مع الفرق النسوية للغناء الشعبي، الزواج التقليدي، معرض داخل المنزل التقليدي..نشاطات سافرت بالزوار إلى زمن وحياة الأجداد، حيث عادوا بذاكرتهم إلى أيام طفولتهم وشبابهم في كنف الجو العائلي الذي يكاد يغيب عن يومياتنا، لتسبقهم الدموع وهم يشاهدون تلك التحف الفخارية التقليدية التي كانت جزءا من حياة مضت.
كما شهدت التظاهرة تنظيم مسابقة لأفضل لوحة تمثيلية لعادات وتقاليد معاتقة، حيث شارك فيها حرفيات وحرفيو معاتقة، من خلال اختيار إحدى العادات والتقاليد (حنة العروس، حنة الختان، طقوس الزواج بالطريقة التقليدية، التويزة، ملئ المياه من الينابيع الطبيعية)..وتمثيل مشاهدها أمام الزوار ولجنة تحكيم هذه المسابقة والتي ترأسها المختص في علم الآثار السيد دحماني كريم، رفقة وردية زوبا إحدى عميدات صناعة الفخار بمعاتقة، إضافة إلى شعوان فاطمة مختصة في العادات والتقاليد، وذلك لتقييم هذه اللوحات التمثيلية من أجل الحصول على أحد الجوائز الثلاثة للطبعة الأولى لاحتفالية الفنون والموروث الثقافي بمعاتقة.
وبالمقابل، أكد دحماني كريم مختص في علم الآثار، صيانة وترميم المباني التاريخية والأثرية، أن هذه التظاهرة تجسد الموروث الثقافي للمنطقة بامتياز، ومختلف ولايات الوطن الحاضرة في هذه الاحتفالية، بدليل ثراء أجنحة المعارض بمختلف الحرف التقليدية سواء للمنطقة أو للمناطق المجاورة لها، إلى جانب التراث الثقافي لمختلف ولايات الوطن، مشيرا إلى أنهم عادوا بالذاكرة إلى زمن الأجداد أين عاشوا في كنف العادات والتقاليد، مبرزا في نفس الوقت أن مثل هذه التظاهرات الثقافية تبرز الكنوز الثقافية ليس فقط لمعاتقة، وإنما لمنطقة القبائل ومختلف ولايات الوطن التي تشتهر بلمسة ثقافية خاصة بها.