أكد الدكتور حمزة حسام، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح لـ«الشعب”، أن انضمام الجزائر إلى الجمعية البرلمانية الدولية لرابطة دول جنوب شرق آسيا “الآيبا “ لا يُعدّ خطوة بروتوكولية عابرة، بل هو ترجمة فعلية لتحوّل نوعي في آليات اشتغال السياسة الخارجية الجزائرية، يعكس انتقالها من الحضور التقليدي في الفضاءين المتوسطي والإفريقي، إلى التموقع في قلب الساحة الآسيوية الصاعدة.
أوضح الأستاذ حسام أن الجزائر، التي لطالما ركزت سياستها الخارجية على محيطها الجغرافي القريب، توسّع اليوم دائرة تحرّكها الدبلوماسي نحو فضاءات أوسع وأكثر تأثيرًا في موازين القوى الدولية. ويمنحها كونها “العضو الملاحظ الوحيد” في “الآيبا” ميزة استثنائية تعكس اعترافًا دوليًا بمكانتها، وتُكرّس صوتها كفاعل يسعى إلى كسر الانغلاق الجغرافي والدبلوماسي، والانفتاح على فضاءات استراتيجية جديدة، في ظرفية عالمية تتسّم بتحوّلات جيوسياسية عميقة.
انفتاح اقتصادي وحسابات دقيقـة
وأشار المحلل السياسي إلى أن هذا الانضمام يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية بالغة الأهمية، إذ تمثل منطقة جنوب شرق آسيا ورشًا كبرى للنمو العالمي ومحركًا رئيسيًا للاقتصاد الدولي. وباقتراب الجزائر من هذه المنطقة الحيوية، فهي تراهن على تنويع شركائها الاقتصاديين وتحرير علاقاتها التجارية من الارتهان التاريخي للسوق الأوروبية وحدها.
ويرى حسام أن هذا الانفتاح يُترجم إرادة الدولة في تنويع الاقتصاد الوطني واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاعات الطاقة والتحوّل الرقمي والابتكار، بما يجعل من صفة “العضو الملاحظ” جسرًا عمليًا نحو شراكات اقتصادية ملموسة تدعم التحوّل الاقتصادي المنشود وتُعزّز مكانة الجزائر في الاقتصاد العالمي.
بُعد استراتيجي ورؤية متكاملـة
من الجانب الاستراتيجي، يؤكد الدكتور حسام أن انضمام الجزائر إلى “ الآيبا “ يعكس إدراكًا عميقًا لضرورة إعادة صياغة موقعها في الخريطة الجيوسياسية، انطلاقًا من بوابة إفريقيا، مرورًا بجسور المتوسط، وصولًا إلى تخوم آسيا. ويكشف هذا التحوّل عن رؤية دبلوماسية متكاملة تتجسد في التناغم القائم بين الدبلوماسية الرسمية، بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والدبلوماسية البرلمانية، في مسعى لجعل الجزائر صوتًا ناطقًا باسم الجنوب العالمي، وطرفًا فاعلًا في بناء نظام دولي أكثر عدلًا وإنصافًا وتوازنًا.
وأضاف أن هذا الإنجاز لا يمكن اعتباره مجرد عضوية شكلية، بل هو إعلان عن طموح استراتيجي بعيد المدى يرمي إلى ترسيخ موقع دائم للجزائر في معادلات المستقبل الدولية، وفرض حضورها كقوة اقتراح وتأثير في مسارات التحوّل العالمي.
صعود الدبلوماسية البرلمانية
وفي السياق نفسه، شدّد الأستاذ حسام على أن صعود الدبلوماسية البرلمانية يمثل أداة مكمّلة للدبلوماسية الرسمية، تُتيح للمجلس الشعبي الوطني الانخراط في حوارات تشريعية ثرّية مع برلمانات متقدّمة في مجالات الإصلاح، الحوكمة، والرقمنة. ومن خلال ذلك، يتجاوز البرلمان الجزائري دوره التقليدي ليصبح فاعلًا في الدبلوماسية التشريعية العالمية، ينقل الخبرات ويستوردها وفق رؤية متعدّدة الأبعاد تمتد من إفريقيا والعالم العربي إلى أمريكا اللاتينية عبر “البرلاتينو”، وتصل اليوم إلى جنوب شرق آسيا عبر “الآيبا”.
واختتم بالقول إن التحرّك البرلماني الجزائري في الفضاءات الدولية الجديدة يعزّز مكانة الجزائر كشريك موثوق وطرف فاعل في إعادة تشكيل التوازنات الدولية، ويمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق طموحها في أن تكون محركًا في صياغة نظام عالمي أكثر عدلًا وتوازنًا.





