الإصلاحات عزّزت الإنتاج الوطني وقلّصت الواردات بقيمــــة تفوق 7 مليــــــــارات دولار
شيخي لـ «الشعب»: مؤشّرات تعزّز مسار التنويع وارتفاع مستوى الدخل والتنميـــــــة البشريـــــة
أكد رئيس الجمهورية خلال لقائه بفعاليات المجتمع المدني في ختام زيارته إلى ولاية قسنطينة، الخميس المنصرم، أن الجزائر تعرضت خلال السنوات الماضية، خاصة في بدايات العهدة الأولى، إلى كمّ هائل من الشائعات والأخبار المضللة، موضحا أن البلاد مقبلة على إطلاق مشاريع استراتيجية ضخمة وتنفيذها في فترة وجيزة.
وركّز الرئيس على المشاريع المتعلقة بقطاع التعدين، وفي مقدمتها منجم غارا جبيلات باعتباره أحد أكبر مناجم خام الحديد في العالم، إضافة إلى مشروع استغلال الاحتياطي الهائل من الفوسفات في ولاية تبسة، وهو مشروع متكامل يشمل أربع ولايات هي تبسة وسوق أهراس وعنابة وسكيكدة، فضلا عن ولاية قالمة التي تعد منطقة عبور رئيسية، وقد شهدت بدورها تطورا ملحوظا في البنى التحتية، لاسيما من خلال تجديد الخط الحديدي الرابط بين تبسة وعنابة مرورا بقالمة عبر دائرة بوشقوف، وهو ما من شأنه خلق آلاف مناصب الشغل المستدامة، وتحريك عجلة التنمية في هذه المنطقة المهمة من الوطن.
وفي هذا الإطار، يؤكد أستاذ الاقتصاد التنظيمي، الدكتور كمال شيخي، في تصريح لـ»الشعب»، أن ما حققته الجزائر خلال هذه الفترة يمثل إنجازا فريدا بالنظر إلى جملة من الظروف الصعبة، فخارجيا، تذبذبت أسعار النفط بشكل واضح حيث ارتفعت بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية ثم تراجعت لاحقا، كما تعرف عدة مناطق حدودية مع الجزائر حالة من عدم الاستقرار، خاصة على مستوى دول الساحل، بالإضافة إلى الأزمة السياسية في ليبيا وقضية الصحراء الغربية، يضاف إلى ذلك التضليل الإعلامي الواسع الذي استهدف الجزائر، وأحيانا من مؤسسات دولية «توقعت» انهيار الاقتصاد الجزائري ولجوء البلاد إلى الاستدانة، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، وهنا يتضح – كما يشير الدكتور شيخي – أن السياسة التي انتهجتها الجزائر كانت مبنية على الحد من المخاطر واعتماد الجهود الذاتية أساسا لبناء اقتصادي وطني، مع تجنب الاستدانة كخيار اقتصادي واعٍ، يدرك أن الديون قد تُستخدم لتمويل مشاريع معينة، لكنها لا يمكن أن تكون أساسا لتنمية حقيقية، وهو المنطق الذي تبنته الجزائر في مسارها الاقتصادي.
ويضيف الدكتور شيخي أن الفترة 2026 – 2027 ستكون – وفق توقعات رئيس الجمهورية – مرحلة حاسمة في تحول الجزائر إلى دولة ناشئة باقتصاد متنوع قائم على الإنتاج، مشيرا إلى أن المؤشرات الحالية تعزز هذا المسار، فالجزائر – يقول شيخي – تحتل المرتبة الثانية إفريقيا في احتياطي الصرف بما يقارب 82 مليار دولار، والمرتبة الثالثة اقتصاديا على مستوى القارة، كما تأتي ضمن المراتب الخمسة الأولى من حيث مستوى الدخل الفردي، إضافة إلى تسجيل تنمية بشرية مرتفعة حسب مؤشر الأمم المتحدة ونسب نمو تقارب 4 بالمائة، بل تتجاوز ذلك عند احتساب القطاعات غير النفطية.
وللتوضيح، يقول شيخي، إن الصادرات غير النفطية التي لم تكن قبل 2019 تتجاوز 1.9 مليار دولار، يُتوقع أن تصل أو تتجاوز هذا العام 10 مليارات دولار، ورغم أن الأرقام تبدو واضحة، إلا أنها لا تعكس الصورة كاملة؛ لأن ارتفاع الإنتاج المحلي يقلص فاتورة الواردات ويحافظ على العملة الصعبة، ما يجعل أي نمو صناعي شكلا غير مباشر من التصدير.
في السياق – يواصل شيخي – يمكن تقدير ما بين 7 و8 مليارات دولار كقيمة منتجات محلية عُوِّضت بها الواردات، ما يعني أن الفارق الحقيقي يصل إلى نحو 18 مليار دولار، وهو ما يفسر قدرة الجزائر على امتصاص انخفاض أسعار النفط خلال العام الجاري دون تأثير ملموس على استقرارها المالي.
ويرى العديد من الخبراء أن الجزائر، رغم توجهها نحو الانفتاح الاقتصادي وتشجيعها للاستثمار الوطني والأجنبي، لم ولن تتخل عن طابعها الاجتماعي المبني على مبدأ «من الشعب وللشعب»، وقد أكد رئيس الجمهورية في كلمته الختامية بمدينة الجسور المعلقة، أن الجزائر هي الدولة العربية والإفريقية الوحيدة التي توفر منحة بطالة للشباب العاطل عن العمل، وهو ما يعكس تصورا واضحا يعتبر أن أي نمو اقتصادي لا يستفيد منه المواطن أولا، يعد نموا غير عادل.
وتشير تقارير بحثية تقيس مستويات المعيشة وتوزيع الثروة، إلى أن الجزائر من بين الأفضل في المنطقة العربية والقارة الإفريقية بفضل بنيتها السياسية والاجتماعية التي تضمن توزيعا عادلا للتنمية على المستوى الجغرافي والديموغرافي، ويتجلى ذلك في الانتشار الواسع للمشاريع التنموية الكبرى خلال السنوات الست الأخيرة في مختلف ولايات الوطن من الجنوب الغربي والشرقي إلى الشرق والغرب والهضاب العليا، إضافة إلى التقسيم الإداري الجديد الذي سيسهم في تقريب الإدارة لأكثر من خمسة ملايين جزائري، وتخفيف الضغط عن الولايات التي انبثقت منها الولايات الجديدة.



