تعزيز العدالة في توزيع الموارد وإصرار على إصلاح المؤسسات المالية الدولية

قدّمت الجزائر خلال مشاركتها في قمة مجموعة العشرين بمدينة جوهانسبورغ، تحت شعار «تضامن – مساواة- استدامة»، رؤية متكاملة للدفاع عن مصالح إفريقيا والدول النامية، في سياق دولي يشهد تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة، وأكدت الجزائر تمسّكها بإعادة التوازن إلى النظام الاقتصادي العالمي، من خلال تعزيز العدالة في توزيع الموارد، والدعوة إلى إصلاح المؤسسات المالية الدولية بما يسمح للدول النامية بالحصول على تمويلات عادلة ودعم فعلي لبرامج التنمية.
ووصف البروفيسور عبد القادر بريش، قمة «العشرين» بأنها استثنائية، بحكم أنها أول قمة من نوعها تلتئم بالقارة الإفريقية، وقال – في قراءته لأشغال القمة – إن الاجتماع «عكس إدراكا متزايدا بأهمية إدماج صوت الجنوب العالمي في النقاشات الكبرى المرتبطة بإصلاح النظام المالي العالمي»، وأضاف أن القمة انعقدت «وسط منافسة حادة بين القوى الكبرى، وتوتر في سلاسل الإمداد، وتصاعد أزمات الطاقة والغذاء، واستمرار الضغوط على الدول النامية بفعل تفاقم الديون».
وأكد البروفيسور بريش أن مجموعة العشرين التي تساهم بما بين 80 و85 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل ثلثي سكان العالم، تظل «منصة محورية لإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية»، ما يجعل من حضور الجزائر «عاملا أساسيا للدفاع عن أولويات إفريقيا والدول النامية».
في السياق، أشار الخبير عبد القادر بريش إلى أن أولويات القمة شملت ملفات إصلاح النظام المالي العالمي، تخفيف الديون، الأمن الغذائي، الانتقال الطاقوي العادل، والرقمنة، وهي ملفات تتقاطع مع المواقف الجزائرية التي «تدافع عن مراجعة آليات التصويت في المؤسسات المالية الدولية، وتعزيز التمويل المرن، ووضع قواعد شفافة لإعادة هيكلة الديون»، وأضاف أن الجزائر «تعتبر تحقيق السيادة الغذائية الإفريقية ضرورة لضمان الاستقرار»، وترى أن الانتقال الطاقوي يجب أن يقوم على تمويل عادل واحترام حق الدول النامية في استغلال مواردها، كما شدد على أن «تقليص الفجوة الرقمية يتطلب إدراج الرقمنة في مسارات التنمية وليس جعلها أداة جديدة للتبعية الاقتصادية».
ذكّر بريش بأن تنظيم الجزائر لمعرض التجارة البينية الإفريقية العام الجاري، «عزّز الاندماج الاقتصادي القاري» من خلال صفقات تجاوزت 50 مليار دولار، ما أسهم في دعم حضور إفريقيا في المبادرات الاقتصادية الكبرى، وأوضح أن مشاركة الجزائر في القمة جاءت وفق مقاربة شاملة ترتكز على الأمن الغذائي، إدارة الكوارث والأزمات، والانتقال الطاقوي، مستندة إلى النجاحات الوطنية في مجال الطاقة «ومشاريع تتجاوز 25 ألف ميغاواط في مجال الطاقات المتجددة، ما يجعل الجزائر شريكا موثوقا داخل القارة وضمن مجموعات اقتصادية مؤثرة».
وحسب البروفيسور بريش، حمل خطاب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون بقمة مجموعة العشرين، «طرحا متقدما يعبّر عن التطلعات الجماعية لإفريقيا»، فقد دعا إلى محو ديون الدول الإفريقية باعتبارها «عائقا بنيويا أمام التنمية»، والانتقال نحو نموذج يقوم على الاستثمارات المباشرة بدلا من القروض، لضمان مشاريع منتجة تدفع النمو.
ودعا الرئيس تبون – يقول بريش – إلى «شراكة عادلة بين إفريقيا ومجموعة العشرين، قائمة على الندية والمصلحة المشتركة»، مؤكدا أن أي تعاون دولي يفقد معناه إذا استمر في تكريس الفجوة بين الشمال والجنوب، وشدد على أن تحقيق تنمية حقيقية في إفريقيا يمر عبر مراجعة معمقة لآليات التمويل الدولي، بما في ذلك إصلاح المؤسسات المالية متعددة الأطراف، حتى تتمكن الدول النامية من الوصول إلى القروض والتمويلات بشروط منصفة تراعي خصوصياتها الاقتصادية، كما اعتبر أن تحسين شروط الولوج إلى التمويل خطوة أساسية لتمكين القارة من تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية، وتعزيز قدرتها على مواجهة الأزمات الاقتصادية والمناخية التي تتفاقم عاما بعد آخر.
وأشار البروفيسور بريش إلى أن مشاركة الجزائر «عزّزت الحضور الإفريقي داخل دوائر القرار، وفتحت آفاقا جديدة أمام تمويل المشاريع الاستراتيجية، ورفعت من قدرة الدول النامية على التفاوض داخل المؤسسات المالية الدولية». كما سمحت بتحويل النجاحات الاقتصادية الوطنية إلى «فرص شراكة متعددة الأطراف».
وأبرز الخبير أن الجزائر، من خلال مشاركتها في قمة مجموعة العشرين، «كرست موقعها كطرف فاعل في صياغة التوازنات الاقتصادية الدولية»، وأضاف أن الرؤية الجزائرية «قامت على الدفاع عن العدالة التنموية، وتعزيز صوت الجنوب العالمي، وبناء شراكات قائمة على الاستثمار والسيادة الاقتصادية»، واعتبر أن هذا التوجه يمثل امتدادا لمسار دبلوماسي تحاول الجزائر من خلاله إعادة إدراج قضايا التنمية والإنصاف المالي ضمن أولويات الأجندة الدولية، في وقت تتزايد فيه القيود المفروضة على الدول النامية بفعل الأزمات الاقتصادية والمناخية المتلاحقة.
ولفت بريش إلى أن الجزائر حرصت على إبراز أهمية منح الدول الإفريقية مساحة أوسع لصياغة خياراتها الاقتصادية بعيدا عن الضغوط والاشتراطات غير المتوازنة، والدفع نحو نموذج جديد من الشراكات يركز على نقل التكنولوجيا، وتطوير البنى التحتية، وإقامة استثمارات ذات مردودية طويلة المدى تضمن للدول الإفريقية حماية قرارها السيادي وقدرتها على بناء اقتصاد منتج ومستدام.