تتصدّر، قضية التشغيل، أولويات الدولة، خاصة وأنّ الشباب يمثلون أكبر فئة في المجتمع، ولهذا تعمل الحكومة على دعمهم من خلال برامج ومؤسّسات تساعدهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة، كما أنّ الإصلاحات التي عرفها قطاع المقاولاتية والتكوين المهني جاءت لتمنح الشباب فرصا أكبر للنّجاح، وتمكّنهم من دخول عالم الأعمال بثقة وبأفكار جديدة تخدم الاقتصاد الوطني.

أكّد الخبير والمستشار الاقتصادي، عماد صدوقي في تصريح لـ»الشّعب»، أنّ ملف التشغيل اليوم يعكس بوضوح رؤية رئيس الجمهورية، باعتبار الشباب أكبر شريحة في المجتمع، وأضاف أنّ الدولة سخّرت العديد من الآليات والمؤسّسات لمرافقة الشباب، وعلى رأسها وكالة «ناسدا».
وقال صدوقي إنّ الإصلاحات التي عرفتها الوكالة كانت «عميقة وحقيقية»، موجّهة نحو فئة الطلبة الجامعيّين وحاملي الكفاءات العلمية، بهدف إدماجهم في مسار بناء الاقتصاد الوطني، وأوضح أنّ قطاع التكوين المهني يمثل دعامة مهمة في إعداد الكفاءات ودعم الشباب لإنشاء مؤسّسات اقتصادية منتجة، بما يعزّز ديناميكية التشغيل والتنمية المحلية، كما شدّد على أنّ تطوير برامج التكوين وربطها باحتياجات السوق يعد خطوة أساسية لضمان اندماج أفضل للشباب في عالم الشغل وتحفيزهم على الابتكار والمبادرة.
وأشار محدّثنا إلى أنه خلال فترة تجميد نشاط الوكالة لثلاثة أشهر، لم يدرك كثير من الشباب أنّ الأمر كان تمهيدا لإطلاق مشروع استراتيجي كبير يخدمهم مباشرة، ضمن رؤية اقتصادية واضحة للدولة، وأكّد أنّ الوكالة تعمل اليوم بالتوازي مع آليات أخرى مثل «أنجام» المخصّصة للمرأة الماكثة في البيت، بتمويلات لا تتجاوز 100 مليون سنتيم، في حين تصل تمويلات الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية «ناسدا «إلى مليار سنتيم كحدّ أقصى.
وأوضح صدوقي أنّ هذه الاستراتيجية رافقتها حملات تحسيسية واسعة عبر الولايات، قبل الانتقال إلى مرحلة نوعية، وهي إشراك الجامعات في المرافقة، إذ أصبحت حاضنات الأعمال داخل الجامعات أداة أساسية لتحويل أفكار الطلبة وأبحاثهم ومذكّرات تخرجهم إلى مشاريع اقتصادية حقيقية.
وقال محدّثنا إنّ هذا التوجّه ساهم فعليا في ظهور عدد كبير من المؤسّسات الناشئة عبر «ناسدا»، وبفضل مرافقة الحاضنات الجامعية، تمّ خلق ديناميكية جديدة داخل الاقتصاد الوطني، وأضاف أنّ هذا التوجّه شجّع الشباب على إطلاق مشاريعهم الخاصة، وساعدهم على تحويل أفكارهم إلى مبادرات ناجحة تدعم الاقتصاد الوطني، وشدّد أنّ نجاح المشاريع الحديثة يرتبط بالإدارة الاستراتيجية المبنية على التكنولوجيا والرّقمنة والابتكار، مؤكّدا أنّ «العالم بأسره يتّجه اليوم نحو الرّقمنة، وعلى الشباب الجزائري أن يساير هذا التوجه».
وقال محدّثنا إنّ التميّز والتنافسية في عالم الأعمال لا يتحقّقان إلا من خلال الابتكار، والتكنولوجيا اليوم هي مفتاح هذا الابتكار، داعيا الشباب إلى التركيز عليها لأنها مستقبل الاقتصاد الجزائري والعالمي.
وأشار صدوقي إلى أنّ الاستثمار في المعرفة الرّقمية بات ضرورة ملحّة لكل مؤسّسة ترغب في مواكبة التحول الاقتصادي وتحقيق حضور قوي في السوق، وأكّد أنّ مسار مرافقة الشباب تأسّس على أسس قانونية واضحة، فالبداية – يقول – كانت مع القانون 12/75 الذي خضع لاحقا لتعديل مهمّ، ليصبح إطارا جديدا يفتح المجال أمام الطلبة الجامعيّين لتحويل مذكّرات تخرّجهم إلى مؤسّسات اقتصادية بدل الاكتفاء بمشاريع مؤسّسات ناشئة فقط، وأوضح أنّ هذا التعديل لم يأت عبثا، لأنّ مفهوم «المؤسسة الناشئة» يرتبط عادة بالحلول الابتكارية، وهو أمر ليس دائما في متناول كل الطلبة لذلك، تمّ توسيع الإطار ليشمل كل أنواع المؤسّسات الاقتصادية، ما فتح الباب أمام الطلبة للابتكار والإنتاج في مختلف المجالات، وليس فقط في الرّقمنة أو التكنولوجيا.
وأفاد محدثنا بأنّ هذه التغييرات تنسجم مع سياسة الدولة، وتحديدا توجّهات رئيس الجمهورية الذي أعطى دفعا لملفات اقتصادية كانت معطلة لسنوات، فخرجت أخيرا إلى حيّز التنفيذ، وأضاف أنّ سياسة التشغيل في الجزائر قطعت خطوات كبيرة، خاصة في المجالين التقني والاقتصادي، وهو ما يظهر في التحول نحو مقاربات جديدة أكثر دقة وواقعية، وأضاف أنّ أي مشروع، مهما كان قويا، يبقى بحاجة إلى تحسينات، نظرا لوجود بعض الثغرات التي يجب تداركها مستقبلا، أبرزها وضع الحاضنات الجامعية، فرغم أنها مشروع وطني استراتيجي لمرافقة الشباب، إلا أن كثيرا من الطلبة أبدوا عدم رضاهم عنها، بحكم أنها تجربة جديدة وأنّ الإطارات الجامعية المشرفة عليها تفتقد في بعض الأحيان إلى الخبرة الميدانية.

الجامعة تطوّرت كثيرا

سجّل صدوقي أنّ الجامعة تطورت كثيرا مقارنة بالماضي، وأصبحت أكثر انفتاحا على المحيط الخارجي، وصارت تعتمد الندوات واللقاءات مع مختلف الهيئات: الأمن، الجمارك، الضرائب، السجل التجاري وغيرها، بهدف منح الطالب صورة واضحة عن البيئة الاقتصادية التي سيدخلها بعد التخرّج، لكن هذه الجهود -رغم أهميتها- تبقى بحاجة إلى دعم أكبر، وأفاد – في السياق – أنّ معالجة هذا النقص يتطلّب تضافر الجهود بين الجامعة والخبراء والقطاع الخاص، عبر خلق شراكات واتفاقيات مع الحاضنات الخاصة التي تملك خبرة ميدانية حقيقية وهدفها الربح، وبالتالي، فهي أكثر قدرة على مساعدة الطلبة على تحويل أفكارهم إلى مؤسّسات قائمة.
وتابع محدثنا: «بحكم تجربتي في مرافقة العديد من الطلبة، لمست عن قرب الحاجة إلى هذا النوع من الدعم، وتمكّنت في كثير من الأحيان من توجيه الطلبة إلى مسارات أفضل من تلك المتاحة داخل بعض الحاضنات الجامعية».
وأكّد صدوقي أنّ المسار الإصلاحي سيخدم الاقتصاد الوطني ويفتح أبواب التشغيل، لأنّ الطالب الذي ينشئ مؤسّسة يكون بطبيعته مهيّئا للقيادة، فالتكوين الجامعي في تخصّصات مثل إدارة الأعمال يوفّر قاعدة مهمة، لكن الواقع الاقتصادي يتطلّب دعما أكبر لخلق مبادرين حقيقيّين قادرين على قيادة مشاريعهم بثقة وكفاءة.