ترسيـخ ثقافة الاعــتراف والاحتفاء بالقامـات الفكرية الوطنيـة
بورايو: الدرع تقدير جماعي للبحـث في الذاكــرة والأدب الشعبـي
التحضـير لسيناريو فيلم حـول الدكتور محمــد بن شنـب.. قريبا
احتضنت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الجزائر، أمزيان أرزقي، أول أمس، احتفالية ثقافية مميزة خُصصت لتكريم الأستاذ الباحث والأديب الجزائري البروفيسور عبد الحميد بورايو، بمنحه درع الاستحقاق الثقافي “المحروسة”، في مبادرة ترمي إلى ترسيخ ثقافة الاعتراف والاحتفاء بالقامات الفكرية الوطنية التي أسهمت في بناء المشهد الثقافي الجزائري وترقية البحث العلمي.
ويأتي هذا التكريم في إطار تنفيذ البرامج الثقافية الهادفة التي سطّرتها المكتبة، والتي تهدف إلى تثمين الإبداع الوطني، وتسليط الضوء على المسارات العلمية الرصينة التي شكّلت مرجعيات أكاديمية، لاسيما في مجالات الأدب الشعبي والسرديات، إلى جانب إسهامات المحتفى به في ترسيخ الهوية الثقافية الوطنية.
وفي تصريح لـ«الشعب”، عبر البروفيسور عبد الحميد بورايو عن امتنانه العميق لهذا التكريم، معتبرا أن “الاعتراف بالباحث في حياته يُعدّ أسمى أشكال الوفاء للمعرفة”، مضيفا أن هذا الدرع “لا يخص شخصه فقط، بل يُعدّ تقديرا جماعيا للبحث في الذاكرة والأدب الشعبي، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في صون الهوية الثقافية الوطنية”.
وأكد بورايو أن لهذا التكريم رمزية خاصة، لارتباطه الوثيق بمدينة الجزائر التي شكّلت محطة مفصلية في مساره الإنساني والعلمي، حيث قدم إليها في سن الثانية عشرة، ودرس وعاش بها مرحلة المراهقة، قبل أن يغادرها لاحقا، لتظل العاصمة حاضرة في وجدانه كفضاء للتكوين والتجربة.
علاقة خاصـة بالإعلام والثقافـة
وأوضح الدكتور بورايو – في كلمته أمام الحضور- أن فرحته تعزّزت بحضور نخبة من الأصدقاء والأسرة الثقافية والإعلامية، مبرزا العلاقة المميزة التي تربطه بالإعلام منذ بداياته الأولى، حين كان حضوره الأول في الحقل الثقافي حضورا إعلاميا بامتياز، من خلال عمله صحفيا بجريدة “الشعب” خلال سبعينيات القرن الماضي، سواء في بداياتها أو عبر الصفحة الثقافية.
وأشار إلى أن علاقته بالصحافة ظلت قائمة على قناعة راسخة بدورها المحوري في التعريف بالإبداع وبناء الجسور بين المثقف والمجتمع، مؤكدا أن ما أنجزه طيلة مسيرته الفكرية ليس سوى رد جميل لمجتمع سهر على تكوينه وتعليمه، وفتح له آفاق الدراسة بالخارج، لاسيما في مصر وفرنسا.
وشدّد الدكتور بورايو على أن جوهر مشروعه العلمي يتمثل في الدفاع عن التراث، خاصة التراث الشعبي والشفوي، مذكّرا بأن الاهتمام بهذا المجال سبق إليه عدد من الرواد الجزائريين، خصوصا خلال الفترة الاستعمارية، ممن نبّهوا إلى قيمة التراث الوطني، على غرار محمد بن شنب وغيره من الباحثين.
وأوضح أن الثقافة ظلت لسنوات طويلة تُختزل في بعدها النخبوي والمكتوب، في حين أن التراث الشفوي يشكّل أساس التنشئة الاجتماعية والهوية الجماعية، ويحتاج إلى التوثيق والأرشفة والتقديم للأجيال الجديدة، ليصبح مكوّنا أساسيا في الإبداع الأدبي والفني وبناء الثقافة الحديثة.
وأضاف أن الرواية، والفن التشكيلي، وسائر الفنون يمكن أن تستلهم موضوعاتها من هذا التراث الغني، مستشهدا بتجارب فنية جزائرية عالمية انطلقت من الذاكرة الشعبية، وحققت اعترافا دوليا، ما يؤكد القيمة الكونية للتراث الجزائري بمختلف لهجاته العربية والأمازيغية.
وشهدت الاحتفالية التي احتضنها مقر المكتبة بحي مختار زرهوني بالمحمدية بالعاصمة، تقديم شهادات مؤثرة في حق البروفيسور بورايو، من بينها شهادة الدكتورة صليحة سنوسي، الباحثة بمركز البحث في الأنثروبولوجيا والآثار بجامعة وهران، إضافة إلى شهادات زملائه في المسيرة العلمية، منهم الروائي والمترجم محمد ساري، والدكتور أحسن تليلاني، والدكتور عاشور فني، والشاعرة فوزية لارادي، والباحث في عصور ما قبل التاريخ محمد خالد، وأستاذ الأدب المتقاعد بجامعة وادي سوف محمد زغب، الباحثة مريم بن بوزيد، والإعلامي.
وأجمع المتدخلون على أن عبد الحميد بورايو يُعد حارسا للتراث الشعبي، ومثالا للتواضع، وضوءا متواريا يضيء العتمات”، إذ لا تكاد زاوية من زوايا الثقافة الوطنية تخلو من أثره أو من تلاميذ نهلوا من علمه، معتبرين أن ما قدّمه للجزائر هو إعادة تشكيل للهوية الثقافية بأصالة نادرة.
وفي ختام الحفل، أشار الدكتور بورايو إلى أن التكريم تزامن مع صدور آخر أعماله الموسومة بـ«ذاكرة التراث”، كما أعلن عن موافقته المبدئية على التحضير لسيناريو فيلم حول شخصية محمد بن شنب، ولم يفوّت الفرصة لتوجيه شكر خاص لزوجته وأبنائه، واصفا إياهم بالسند الحقيقي في مسيرته العلمية والفكرية.
كما لفت إلى ضرورة الاهتمام بالتراث الشعبي، وتقديم أعلام الثقافة الجزائرية، والاشتغال على أعمالهم ومسيرتهم، كي تبقى نبراسا علميا ومراجعا قيمة في خدمة البحث العلمي والذاكرة الثقافية الوطنية .
ويؤكد هذا التكريم، في الأخير، أن الثقافة الجزائرية ما تزال وفيّة لرموزها، وأن الاعتراف بالجهد الفكري يُعد ركيزة أساسية لبناء مشهد ثقافي متوازن، يجمع بين الذاكرة والتجديد، ويحفّز الأجيال الصاعدة على السير على خطى الرواد.





