صحفي وكاتب مختص في الشؤون الدولية، وباحث في قضايا العدالة والنزاعات المسلحة مع حلول الذكرى الثالثة والستين لتأسيس جريدة “الشعب” الجزائرية، تبرز الحاجة إلى التوقف عند أحد أهم محاور رسالتها الإعلامية منذ نشأتها: الدفاع عن القضية الفلسطينية وتثبيت مركزيتها في الوجدان العربي.
منذ صدور العدد الأول عام 1962، لم تكن “الشعب” مجرد صحيفة وطنية تتابع الشأن الجزائري، بل حملت ـ ولا تزال ـ إرث الثورة الجزائرية وقيمها في الحرية ومناهضة الاستعمار، وهو ما جعلها تعتبر القضية الفلسطينية امتداداً طبيعياً لمسار التحرر العربي.
موقف دولة.. لا يتغيّر
لم يتبدل الموقف الجزائري من فلسطين منذ الاستقلال: دعم سياسي ثابت، احتضان دبلوماسي متواصل، وتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. لم يكن ذلك مجرد خطاب رسمي، بل ممارسة مترسخة في الحياة السياسية الجزائرية؛ فمن احتضان إعلان دولة فلسطين عام 1988 في قاعة قصر الصنوبر، إلى تبنّي الجزائر في المحافل الدولية كل ما يعزّز الحقوق الفلسطينية، ظلّ صوت الجزائر الأكثر صدقاً وثباتاً في لحظات الارتباك العربي.
«الشعب”.. ذاكرة الموقف الجزائري
على مدار ستة عقود، كانت جريدة “الشعب” مرآة لهذا الموقف ودليله. لم تتعامل الصحيفة مع القضية الفلسطينية باعتبارها ملفاً خارجياً، بل كجزء من هويتها التحريرية. فقد واكبت محطات النضال الفلسطيني منذ الستينيات، ونقلت صوت المقاومة من الميدان، وتابعت تطورات الانتفاضات، وفتحت صفحاتها لرموز سياسية وفكرية عربية للدفاع عن القضية.
وفي كل عدوان على غزة، كانت “الشعب” في الصف الأول من الصحف العربية التي تدين، توثق، وتكشف جرائم الاحتلال، مقدمة خطاباً إعلامياً منحازاً للحق دون مواربة، في وقت اختارت فيه بعض المنابر العربية الانحياز لـ«الحياد” أو تمييع الحقيقة.
موقف يتجدّد في زمن الإبادة
مع الحرب الصهيونية المستمرة على غزة، برزت الصحافة الجزائرية ـ وفي مقدمتها “الشعب” ـ كصوت عربي واضح في مواجهة الرواية الصهيونية ومحاولات الغرب تبرير الإبادة. فقد قدمت تغطيات معمّقة وتقارير إنسانية وتحليلات سياسية تُبرز حجم الكارثة الإنسانية والسياق الحقيقي للصراع، مؤكدة أن الدفاع عن فلسطين ليس مجرد “تضامن موسمي”، بل جزء من العقيدة الوطنية الجزائرية.
إعلام مقاوم.. وصوت للقضية
إنّ دور الصحف الجزائرية لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد إلى تشكيل الوعي العربي وإعادة مركزية فلسطين إلى السردية الجماعية. فالإعلام الجزائري ظلّ منسجماً مع تاريخ بلاده التي انتزعت استقلالها بالكفاح المسلح، ولذلك يرى الفلسطينيين امتداداً لنضاله هو، لا مجرد قضية بعيدة.
ختاماً
ستة عقود مضت على تأسيس “الشعب”، لكنها بقيت كما أراد لها مؤسسوها: صوتاً للقضايا العادلة، مرجعاً في مواجهة حملات التضليل، ومنبراً ثابتاً للدفاع عن فلسطين. ومع كل ذكرى جديدة، تتأكد الحقيقة: الجزائر لا تغيّر موقفها.. وصحفها لا تخون رسالتها.. وفلسطين ستبقى في قلب الجزائر كما كانت دائماً.





