َالقانـون يعـزّز موقـــع الجزائـر كفاعـل أخلاقــي وقانونــي
اعتبرت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، نبيلة بن يحي، أن مقترح مشروع القانون المتعلق بتجريم الاستعمار نقلة نوعية، تنقل الاستعمار من خانة «الحدث التاريخي» إلى خانة «الجريمة الدولية» التي لا تسقط بالتقادم، يمكن الاستناد إليها في الدعاوى القضائية الدولية.
بالنسبة للأستاذة بن يحي، فإن قانون تجريم الاستعمار يشكل أداة قانونية-سياسية استراتيجية لإعادة توصيف الحقبة الاستعمارية توصيفا قانونيا دقيقا، بوصفها جرائم مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، تشمل الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، التعذيب، النفي القسري، والنهب المنهجي للثروات.
في هذا الإطار، أفادت بن يحيى في تصريح لـ»الشعب»، أن هذا النص القانوني المطروح للنقاش والإثراء والمصادقة على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان، يوفر مرجعية تشريعية وطنية يمكن الاستناد إليها في الدعاوى القضائية الدولية، وأوضحت أن هذا التوصيف القانوني، من شأنه أن يحدث نقلة نوعية؛ لأنه سينقل الاستعمار من خانة «الحدث التاريخي» إلى خانة «الجريمة الدولية» التي لا تسقط بالتقادم، ويوفر مرجعية تشريعية وطنية يمكن الاستناد إليها في المطالبات السياسية أمام الهيئات الأممية، ولتحريك الرأي العام الدولي والمنظمات الحقوقية.
وقالت بن يحيى إن القانون يفتح المجال أمام التعويض المادي والمعنوي للضحايا وذويهم، وفق مبدأ مسؤولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دوليا، وبذلك، فإن الجزائر تنتقل من منطق «الذاكرة» إلى منطق «المساءلة»، ومن «الخطاب الأخلاقي» إلى «الحق القانوني».
وفي قراءتها لمضمون مشروع القانون التي يتضمن (5 فصول – 27 مادة) يتميز بعدة نقاط قوة، لخصتها بن يحيى في عدد من النقاط، منها «وضوح الهدف»، لأن النص لا يلتف حول المفاهيم، وإنما يحدد صراحة أن الاستعمار الفرنسي (1830-1962) هو استعمار إجرامي، وهو أمر بالغ الأهمية في مواجهة محاولات التبييض أو إعادة التأويل.
وترى بن يحيى أن التكييف القانوني للجرائم، يمكن ضمن إطار القانون الدولي الإنساني، ويجعلها قابلة للمساءلة الدولية، كما يمنح المشروع بعدا يتجاوز الحدود الوطنية إلى الفضاء الدولي، وأكدت على نقطة أساسية تتمثل في تحميل المسؤولية القانونية للدولة الفرنسية، حيث أن المشروع لا يكتفي بإدانة «مرحلة تاريخية»، بل يقر بمبدأ استمرارية الدولة، أي أن الجمهورية الفرنسية الحالية مسؤولة عن أفعال الدولة الاستعمارية السابقة، وتؤدي إلى الاعتراف والاعتذار، والتي لا تعتبرهما مسألة رمزية، بل مدخلا قانونيا للتعويض؛ لأن الاعتراف يعد – في القانون الدولي – قرينة على المسؤولية، مبرزة أن المشروع يعكس نضجا سياسيا وتشريعيا، ويبتعد عن الشعبوية، مؤسسا لمسار طويل النَّفَس، قائم على التراكم القانوني والدبلوماسي.
وتتوقع بن يحي أن يحدث هذا النص القانوني عدة آثار مهمة، أبرزها إعادة فتح ملف الاستعمار في الأجندة الدولية بعد عقود من الصمت والتجاهل، وسيعاد طرح الاستعمار كقضية عدالة دولية غير منجزة، ويمنح غطاء قانونيا لدول إفريقية وآسيوية أخرى، وبذلك، قد تتحول الجزائر إلى قاطرة سياسية وقانونية لدول عانت من الاستعمار، ما قد يفضي إلى جبهة دولية للمطالبة بالاعتراف والتعويض.
ومن النقاط الهامة الأخرى، تذكر المتحدثة أن مشروع قانون تجريم الاستعمار، يشكل إحراجا للقوى الاستعمارية السابقة داخل المؤسسات الأممية، خاصة فرنسا التي ستجد نفسها أمام نص قانوني وطني مدعوم بشرعية تاريخية وحقوقية، لا بمجرد خطاب سياسي.
الأهم بالنسبة للأستاذة بن يحي، هو أن هذا النص القانوني سيعزز موقع الجزائر كفاعل أخلاقي وقانوني في الجنوب العالمي، كدولة تدافع عن ذاكرة إفريقيا وكرامتها.
وتخلص المتحدثة إلى القول إن قانون تجريم الاستعمار هو سلاح قانوني هادئ، ورقة سيادية مدروسة، واستثمار استراتيجي في الذاكرة والعدالة معا، وهو لا يستهدف الانتقام، إنما يقصد إلى تصحيح اختلال تاريخي ما زالت آثاره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية قائمة إلى اليوم.




