يؤكد الدكتور عبد القادر بريش أن سنّ قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر، يأتي تجسيدًا لإرادة دولة ذات سيادة، عبّر عنها نواب الشعب بكل مسؤولية، في إطار ممارسة صلاحياتهم الدستورية، وترجمةً للإرادة الشعبية، واستحضارًا لتضحيات الشعب الجزائري الذي قاوم الاستعمار منذ بدايته.
وقال بريش إن النص التشريعي يؤكد أن الاستعمار – في جوهره – جريمة، وأن ما ارتكبته فرنسا الاستعمارية في الجزائر يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وضد البيئة والطبيعة، وضد الكرامة الإنسانية، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن طمسها بمحاولات الإنكار أو التزييف، ويضيف بريش أن اعتماد هذا القانون من طرف البرلمان، يعتبر تعبيرًا واضحًا عن الإرادة السياسية الحرة، وعن عمق السيادة الوطنية واستقلال القرار الجزائري، كما يُكرّس حق الدولة في سنّ القوانين الكفيلة بحماية الذاكرة الوطنية وصون الحقيقة التاريخية للأجيال القادمة.
ويندرج هذا القانون – وفق بريش – في إطار التوجه الاستراتيجي الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بجعل ملف الذاكرة الوطنية أحد الثوابت الكبرى للدولة الجزائرية، انطلاقًا من قناعة مفادها أن الجزائر لا تساوم بتاريخها ولا تفرّط في ذاكرة شهدائها، وأضاف أنه يعكس هذا المسعى التشريعي الدور المؤسساتي الذي اضطلع به المجلس الشعبي الوطني، من خلال لجنة إعداد وتقديم مقترح القانون المتعلق بتجريم الاستعمار الفرنسي خلال الفترة الممتدة من 1830 إلى 1962، في مسار منسجم مع أحكام الدستور، ويعكس نضج المؤسسات الدستورية للدولة الجزائرية.
ويعتبر بريش أن القانون ثمرة توافق وطني بين مختلف الكتل البرلمانية، وفاءً لمبادئ ثورة أول نوفمبر، واستجابةً لتطلعات الشعب الجزائري المتمسك بذاكرته، والرافض لأي مساومة تمسّ تضحياته، ويهدف النص – يضيف بريش – إلى تحميل الدولة الفرنسية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والتاريخية عن الجرائم المرتكبة، خلال الحقبة الاستعمارية، ويُكرّس حق الشعب الجزائري في المطالبة بالاعتراف الرسمي، وبالتعويض القانوني والمعنوي عن الأضرار الجسيمة التي لحقت به، كما يُجرّم القانون كل أشكال تبرير الاستعمار أو تمجيده، وكل محاولة للتشكيك في نضال الشعب الجزائري، أو المساس بتضحيات المقاومين والمجاهدين والشهداء.
وقال بريش إن اعتماد “تجريم الاستعمار” يسجّل ضمن المسار التشريعي للعهدة البرلمانية الحالية، بوصفه محطة مفصلية في مسار تثبيت الذاكرة الوطنية والدفاع عن الحقيقة التاريخية، وتؤكد الجزائر، من خلال هذا القانون، تمسكها بدولة قوية وموحّدة، تحترم تاريخها، وتصون سيادتها، وتوفي لشهدائها.





