حقّقت التجربة الجزائرية في مجال التنمية المحلية لمختلف ولايات الوطن في إطار السعي المستمر للنهوض بالمناطق النائية والريفية عدة نتائج ايجابية تتماشى مع الأهداف المسطرة من قبل السلطات العمومية للتوزيع العادل للمشاريع التنموية وفرص العمل من أجل تحقيق مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، ومساعدة السكان على الاستقرار وتنمية مناطقهم بفضل سياسة الدعم ومرافقة الشباب وحاملي المشاريع، الذين استفادوا من قروض وتكوين متخصّص ساهم في ترقية عدد من الأنشطة الفلاحية والاقتصادية بما فيه ميدان الصناعة التقليدية.
تحولت الأنشطة الاقتصادية المحلية للأسرة المنتجة الناشطة بالقرى والمناطق النائية عبر الوطن ومنها ولاية بومرداس إلى رقم اقتصادي بارز في مؤشر النمو الوطني بالنظر إلى ما تقدمه من إسهامات ملموسة ممثلة في المنتجات الغذائية والفلاحية التي تمول الأسواق المحلية والمحلات التجارية من خضروات وفواكه إلى مشتقات الحليب والأجبان، التي تغذي يوميا نقاط البيع مقابل إقبال كبير ومتزايد من قبل المستهلك الجزائري على هذا النوع من السلع التقليدية الصحية والتنافسية مقارنة مع باقي ما يعرض من مواد مصنعة.
وتظهر من خلال هذه النتائج المحققة فعالية ونجاعة هذه السياسة الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من قبل الجزائر لتنمية وتعزيز حضور المناطق النائية أو ما كان يعرف بمناطق الظل التي استفادت من مشاريع وبرامج تنموية مباشرة وغير مباشرة في شكل إعانات مالية للبلديات عن طريق مختلف مصادر التمويل سواء عن طريق ميزانية الولاية أو عبر صندوق التضامن للجماعات المحلية التي هيئت الأرضية لمباشرة عملية تثبيت السكان في مناطقهم للمساهمة في إنعاش الاقتصاد المحلي، وذلك بتسجيل وإنجاز المرافق العمومية الأساسية الصحية منها والتربوية، وضمان الخدمات الضرورية الى جانب تمديد شبكتي مياه الشرب والغاز الطبيعي، وتهيئة وتجديد شبكة الطرقات وفتح مسالك أخرى لربط القرى والمناطق المعزولة بمحيطها القريب وتسهيل تحركات المواطنين.
محليا على مستوى ولاية بومرداس، حقّقت هذه التجربة عدة نقاط إيجابية وساهمت في ظهور مبادرات اقتصادية مبنية على أساس أنشطة فلاحية تميز خصوصية كل منطقة، حيث ساهمت أجهزة الدعم المحلية كوكالة أونساج سابقا وكالة دعم وتنمية المقاولاتية حاليا، صندوق التأمين عن البطالة “كناك”، صندوق تسيير القرض المصغر “أونجام” في تمويل ومرافقة عشرات المشاريع الشبانية في شتى التخصصات والمجالات الاستثمارية كتربية المواشي، تربية النحل، ابقار الحليب، معاصر زيت زيتون عصرية، وعدة أنشطة أخرى في مجال الصناعة الغذائية والأجبان، الصناعة التقليدية وغيرها.
كما ساهمت هذه السياسة أو البرامج التنموية الريفية المدمجة في تشجيع المرأة الماكثة بالبيت والأسرة المنتجة، التي استطاعت التكيف بإيجابية وفعالية مع هذه المبادرة، حيث تمكّنت من إعادة إحياء حرف يدوية كانت مهددة بالزوال منها صناعة السلالة والمظلات الشمسية المصنوعة من مادة “الدوم”، الحلي، الفخار وغيرها من الحرف التي عادت لتصنع المشهد من جديد.
مقابل تحسين في مستوى الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهذه الاسر التي تحولت اليوم الى فاعل اقتصادي حقيقي في ظل عودة انتشار واستهلاك المنتجات التقليدية سواء الغذائية منها أو ذات الاستعمال اليومي، وهو ما ساهم في تطور وتنمية عدد من المؤسسات العائلية المتخصصة.
ويأمل الكثير من الناشطين خصوصا في القطاع الفلاحي وتربية المواشي التي تميز الأنشطة اليومية للمناطق النائية والجبلية بولاية بومرداس استمرار سياسة الدعم المباشر وغير المباشر للفلاحين والمنتجين الحقيقيين والتدخل المستمر للسلطات المعنية وفرق الرقابة، خصوصا من قبل المصالح الفلاحية لمتابعة أثر وطريقة توزيع أعلاف الحيوانات من قبل التعاونيات الفلاحية المعتمدة بسبب ارتفاع الأسعار وضعف الحصص الموزعة لمربي أبقار الحليب.
هي عيّنة من الفئات المنتجة والمساهمة في دعم الإنتاج المحلي والوطني التي تبقى دائما بحاجة إلى مرافقة وتشجيع في أطر هذه السياسة المنتهجة لمساعدة المواطنين وحتى الشباب المستثمر على الاستقرار والمساهمة في التنمية المحلية.



