دليل ميداني على انتقال الجزائر من اقتصاد الريع إلى الاقتصاد المنتج
الوصول إلى الجودة..التنوع والقدرة على تلبية احتياجات السوق
فتح آفاق جديدة للاستثمار ودعم تنافسية المنتج الوطني بالأسواق المحلية والدولية
تتواصل فعاليات معرض الإنتاج الجزائري في طبعته الـ33 من 18 إلى 27 ديسمبر الجاري، بقصر المعارض الصنوبر البحري، هذا الموعد الاقتصادي الهام يعكس الديناميكية المتواصلة التي يشهدها الاقتصاد الجزائري، والتطور الملحوظ الذي بلغه المنتوج الوطني من حيث الجودة، التنوع والقدرة على تلبية احتياجات السوق.
يعد هذا الحدث الاقتصادي السنوي، والذي يعرف مشاركة واسعة لنخبة من الفاعلين الاقتصاديين، من مؤسسات عمومية وخاصة، ومؤسسات صغيرة ومتوسطة، إلى جانب الشركات الناشئة والحرفيين فضاء حيويا لإبراز القدرات الإنتاجية الوطنية، والتعريف بالمنتجات والخدمات الجزائرية، فضلا عن كونه منصة للتفاعل المباشر مع المستهلكين.
في هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي عبد النور قاشي، في تصريح لـ«الشعب”، أن معرض الإنتاج الجزائري يعتبر تأكيدا آخر على قدرة المنتوج الوطني على المنافسة من حيث الجودة والتنوع، ويعكس التطور الذي بلغته الصناعة الجزائرية في مختلف المجالات، لاسيما في ظل التحولات الاقتصادية التي تعرفها البلاد.
وأوضح قاشي أن هذا الحدث الاقتصادي يشكل منصة لتبادل الخبرات بين الفاعلين الاقتصاديين، وفرصة لعرض قدرات المؤسسات الوطنية، وتثمين المنتوج المحلي، وترسيخ ثقافة “صنع بالجزائر” فضلا عن دوره في تعزيز الشراكات، وفتح آفاق جديدة للاستثمار، ودعم تنافسية المنتج الوطني في الأسواق المحلية والدولية.
وتابع قاشي: “لم يعد معرض الإنتاج الوطني الجزائري مجرد تظاهرة اقتصادية ظرفية لعرض السلع والمنتجات، ولكنه تحول تدريجيا إلى أداة من أدوات السياسة الاقتصادية العمومية، تعكس توجه الدولة نحو ترسيخ اقتصاد حقيقي قائم على الإنتاج، تقليص التبعية للخارج، وبناء قاعدة صناعية قادرة على خلق القيمة المضافة”.
وفي السياق المحلي، ظل الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة معتمدا على ريع المحروقات، لكن اليوم يكتسي هذا المعرض بعدا يتجاوز مجرد الترويج التجاري، ليصبح مؤشرا نوعيا يعكس مدى التقدم المحقق في مسار التحول الاقتصادي، ويبرز الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد ودعم الإنتاج الوطني.
واعتبر المتحدث أن عدد المؤسسات الاقتصادية المسجلة في الجزائر تجاوز 1.6 مليون مؤسسة، تنشط أغلبها في مجالي الإنتاج والخدمات، ما يجعل معرض الإنتاج الوطني فضاء واسعا لمشاركة مئات المؤسسات العمومية والخاصة، يتراوح عددها بين 500 و700 مؤسسة، تمثل قطاعات متنوعة مثل الصناعات الغذائية، مواد البناء، الصيدلة، الميكانيك، النسيج، والمؤسسات الناشئة.
وتعكس هذه المشاركة – وفق محدثنا – تنوع القاعدة الإنتاجية الوطنية وانتقال الاقتصاد نحو مزيد من التصنيع ورفع نسب الإدماج المحلي، إلى جانب تطور نوعية الإنتاج، كما يستقطب المعرض سنويا آلاف الزوار من مستهلكين ومستثمرين ومتعامليـن اقتصاديين، إضافة إلى وفود رسمية وممثلي شركات أجنبية مهتمة بالشراكة أو بالاستيراد من الجزائر.
وتبرز أهمية المعرض- يقول قاشي – في تعزيز السيادة الاقتصادية، إذ يساهم في تقليص الواردات وتشجيع استهلاك المنتوج المحلي، خاصة في القطاعات التي حققت فيها الجزائر نسب إدماج معتبرة، كما يدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويمنح المؤسسات الصغيرة والناشئة فرصة لعرض منتجاتها، وإبرام شراكات، والاندماج في سلاسل القيمة الوطنية، إلى جانب كونه مرآة تعكس صورة المنتوج الجزائري.
وأفاد الخبير أن المعرض يعد جسرا حقيقيا نحو التصدير، إذ يمثل منصة فعالة للتعريف بالمنتجات الوطنية القابلة للتصدير وإبراز جودتها وقدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية، لا سيما الإفريقية والعربية، كما يتيح للمتعاملين الاقتصاديين فرصة لربط علاقات تجارية وبحث شراكات جديدة، بما ينسجم مع الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى تنويع الصادرات وتقليص الاعتماد على المحروقات.
ويحمل هذا الصالون – يضيف قاشي – رسالة واضحة أن الاقتصاد الجزائري دخل مرحلة التحول من اقتصاد استيراد إلى اقتصاد إنتاج، وأن المؤسسة الوطنية أصبحت محور السياسة الاقتصادية الجديدة، سواء من حيث الدعم، التمويل، أو التوجيه الاستراتيجي، وبالتالي أصبح معرض الإنتاج الوطني ليس مجرد تظاهرة تجارية، بل أصبح مؤشرا حقيقيا على تطور النسيج الصناعي الجزائري، وأداة عملية لترجمة توجه الدولة نحو التنويع الاقتصادي.
وأكد الخبير الاقتصادي أن معرض الإنتاج الجزائري محطة مفصلية في مسار الاقتصاد الوطني، حيث يعكس مرحلة انتقالية مهمة تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي، دعم المؤسسات الوطنية، وتشجيع التنويع الاقتصادي بعيدا عن الاعتماد التقليدي على الموارد الأحفورية.
وعليه، فإن معرض الإنتاج الجزائري في طبعته الـ33 يؤكد أن الاقتصاد الوطني يشهد تحولا نوعيا نحو اقتصاد قائم على الإنتاج والتصنيع، يعزز قدرات المؤسسات الوطنية، ويتيح فرصا للتصدير والشراكات الجديدة.







