في كل ذكرى وطنية تحمل الجزائر ملامحها في الوجدان، تبرز جريدة “الشعب” كأحد أهم الشّواهد الحية على مرحلة التأسيس الإعلامي الذي رافق بزوغ الدولة الجزائرية المستقلّة. واليوم، في الذكرى الثالثة والستين لتأسيس الجريدة، لا يعود السؤال إلى مجرد تاريخ ميلاد صحيفة، بل إلى هوية وطن ظل يبحث عن صوته الحقيقي بعد عقود من التعتيم الاستعماري.
من صوت الثّورة إلى ذاكرة الدّولة
تأسّست “الشعب” في لحظة دقيقة من تاريخ الجزائر، لحظة انتقال الصحافة من دور المقاومة السرية إلى الإعلام الرسمي للدولة الناشئة. لم تكن مجرد جريدة تصدر بالورق والحبر، بل كانت بيانًا يوميًا للاستقلال، ومختبرًا لصياغة خطاب الجزائر الجديدة، تلك التي أرادت أن تتحرر سياسيًا وثقافيًا وإعلاميًا.
كانت “الشعب” جزءًا من جبهة المواجهة ضد إرث طويل من سياسة طمس الهوية، فحملت على عاتقها مهمة إعادة صياغة الوعي العام، وتعريب المجال الإعلامي، وتثبيت القيم الوطنية التي تشكل اليوم جوهر الشخصية الجزائرية.
الإعلام بين الأمس واليوم: تغيّرت الوسائل ولم تتغير الرسالة ستة عقود ونيف مرّت، تغيّر خلالها كل شيء تقريبًا:
– أدوات الصحافة
– علاقة الجمهور بالمعلومة
– سرعة تداول الأخبار
– حجم التأثير وأشكاله
لكن الشيء الذي لم يتغيّر هو الرسالة: أن تكون الصحافة شريكًا في الدفاع عن السيادة الوطنية، وعن سردية الجزائر التي كتبت تاريخها بالدمّ والوعي معًا.
في زمن الأزمات العالمية، وتحوّلات المنطقة، وحروب السرديات، تعود القيمة الرمزية لجريدة “الشعب” كمنبر رسمي يرسّخ الثقة، ويمدّ الجسور بين المواطن والدولة، ويوفّر حقلاً معرفيًا رصينًا ضد موجة التضليل.
التحدي الجديد: أن تكون الصحافة وطنية ومهنية في آنٍ واحد
الصّحافة الرسمية تواجه اليوم تحديًا مزدوجًا:
1. الحفاظ على الهوية التحرريّة التي صاغت مسار الجزائر.
2. مواكبة معايير الصحافة المهنية الحديثة القائمة على الشفافية، التحقيق، العمق التحليلي، والسرعة دون التسرع.
إنّ “الشعب” ليست مطالبة فقط بتجديد أدواتها، بل بتجديد شكل علاقتها بجمهورها، فتكون صحيفة الدولة التي تصغي قبل أن تخبر، وتتحقق قبل أن تنشر، وتفسّر قبل أن تكتفي بالنقل.
في الذّكرى 63: كلمة تستعيد معناها
الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لتأسيس جريدة “الشعب” ليس طقسًا رمزيًا فحسب، بل هو دعوة للتفكير في مستقبل الصحافة الوطنية، وفي الدور الذي يجب أن تلعبه مؤسسات الإعلام العام في حماية الحقّ في المعلومة، وتعزيز المشاركة السياسية، ومواجهة الأخبار المضللة، والدفاع عن ثوابت الدولة.
إنّ جريدة “الشعب” ليست مجرد مؤسسة عمرها ثلاثة وستون عامًا؛ إنها ذاكرة وطن، ومختبر وعي، وجسر ممتد بين الماضي والمستقبل. وما دامت الكلمة تحمل مسؤوليتها، سيبقى هذا الجسر ثابتًا مهما تبدلت الرياح.






