برزت تجربة بعض بلديات جنوب الولاية كنموذج عملي ناجح لسياسة تنويع الأنشطة الاقتصادية في الوسط القروي، من خلال استثمارات فلاحية وهيكلية ساهمت في خلق مناصب شغل وتحسين مداخيل السكان.
وتعدّ شعبة الأشجار المثمرة من أبرز ركائز النشاط الاقتصادي في منطقة سيدي أحمد جنوب ولاية سعيدة، حيث تمّ استغلال مساحات معتبرة تقدّر بـ900 هكتار من الزيتون، 200 هكتار من أشجار الكرز، و50 هكتارا من مختلف الأشجار المثمرة. وقد مكّن هذا النشاط من توفير نحو 160 منصب عمل دائم، إلى جانب أكثر من 1000 منصب مؤقت خلال مواسم الجني، ما ساهم في امتصاص البطالة الموسمية وتثبيت اليد العاملة المحلية.
وقد تعزّزت هذه الديناميكية بإنشاء معصرة زيت الزيتون بطاقة إنتاج سنوية تصل إلى 5 ملايين لتر، ما سمح بتحويل المنتوج محليا وخلق قيمة مضافة، فضلا عن دعم سلسلة الإنتاج والتسويق بالمنطقة.
وقد باشرت مؤسسة سوناطراك استثمارات فلاحية شملت استغلال 2100 هكتار بسيدي أحمد و1000 هكتار بمنطقة المعمورة، مخصصة لتربية الأغنام والأبقار، ما وفّر مناصب عمل مباشرة وغير مباشرة.
من جهتها، قامت مستثمرة صينية بانجاز صومعة لتخزين الحبوب بيوب وهذا من المشاريع الهيكلية الهامة، حيث ساهم في توظيف 500 عامل، إذ يتربّع المشروع على مساحة تقدر بـ50 ألف متر مربع، على أرضية مستوية تتمتع بربط طرقي جيد وبنية تحتية ملائمة.
ويشمل المشروع عدة أشغال أساسية، من بينها تهيئة قاعدة الورشة، وإنجاز أشغال الهندسة المدنية والتركيبات الكهروميكانيكية، بما في ذلك المرافق الإدارية والتقنية كالمبنى الإداري، ورشات الصيانة، قاعة الميزان، نقاط الحراسة ومنشآت الحماية من الحرائق.
ويتضمن المشروع تركيب وضبط تجهيزات الصوامع من معدات ميكانيكية وكهربائية وهوائية، مع توفير مواد المرافقة اللازمة، ما يعزّز قدرات التخزين ويخدم الأمن الغذائي للمنطقة كما ساهم مستثمرون خواص في تنشيط الحركة الاقتصادية، مستغلين 360 هكتارا من الأشجار المثمرة، مع توفير نحو 40 منصب عمل دائم و200 منصب موسمي، إضافة إلى استثمار آخر في 60 هكتارا من أشجار التفاح موفرا 10 مناصب عمل دائمة و80 منصب موسمي.
وشمل دعم الهياكل القاعدية للنشاط الفلاحي كذلك، تسجيل عملية إنجاز صومعة لتخزين الحبوب بمنطقة يوب، إضافة إلى ثمانية مراكز جوارية لتجميع الحبوب في مختلف البلديات، ما حسّن شروط جمع المحاصيل وقلّل الخسائر.
كما تمّ توسيع المساحات المسقية بـ225 هكتارا مزودة بتقنية السقي بالتقطير لترشيد استهلاك المياه ورفع مردودية الإنتاج. وفي إطار الانتقال الطاقوي ودعم الاستدامة، استفاد القطاع الفلاحي من 12 طقما شمسيا بما فيها ثلاثة وُجهت للمناطق السهبية في المعمورة، سيدي أحمد، ومولاي العربي، إضافة إلى إنشاء ثلاثة آبار ارتوازية لضمان التزود بالمياه والطاقة، ودعم استقرار النشاط الفلاحي.
كما سمحت هذه التجربة لأبناء القرى بتعلم مهارات جديدة تتعلق بالعناية بالأشجار والتقليم، بعد أن كان دورهم محصورا في الرعي وتربية الأغنام فقط، وهو ما سيسهم في تنويع مصادر الدخل ومكافحة التصحر وكبح زحف الرمال في جنوب الولاية.
وتؤكد هذه المؤشرات أن تنويع الأنشطة الاقتصادية في القرى، لاسيما في مجالات الفلاحة، تربية المواشي، التحويل الفلاحي، وتدعيم الهياكل القاعدية، يشكل رافعة حقيقية للتنمية المحلية من خلال تحسين مستوى المعيشة، تقليص البطالة، والحد من الهجرة نحو المدن الكبرى.
ويرى متابعون أن تعميم مثل هذه التجارب يرتبط بضرورة تعزيز المرافقة التقنية، تحسين البنية التحتية، وتسهيل الاستثمار المنتج، بما يسمح بتحويل القرى إلى فضاءات اقتصادية منتجة تساهم بفعالية في التنمية الوطنية.




