الابتكــار والطاقـة النظيفــــة يتصـدران معـــرض الإنتـــاج الجزائــري
الرقمنة.. الذكـاء الاصطناعـي والطاقات المتجــددة.. أوراق الرهـان
أصبح المنتوج الجزائري مسارا حقيقيا للتطوير الاقتصادي، وقد أبرز معرض الإنتاج الجزائري أهمية الابتكار والتحول الطاقوي كعاملين أساسيين لدعم الإنتاج الوطني وتعزيز قدرته على المنافسة، ويؤكد هذا التوجه أن دعم الطاقات المتجددة والحلول التكنولوجية الحديثة ضرورة استراتيجية لخدمة الإنتاج الوطني وترسيخ مكانته ضمن أولويات التنمية الاقتصادية.
قال الباحث في الطاقات المتجددة، الدكتور مفلاح عيسى، في تصريح لـ«الشعب”، إن التحول الطاقوي والابتكار يخدمان الإنتاج الجزائري، وهو ما تم التطرق إليه خلال ندوة صحفية ضمن الورشات العلمية للصالون، وأوضح أن تحقيق السيادة الإنتاجية مرتبط بالتحكم في مصادر الطاقة، مشيرا إلى أن الجزائر تعمل على تطوير مجالات جديدة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، بهدف بناء اقتصاد أكثر استقلالية وأقل ارتباطا بتقلبات قطاع المحروقات.
تأمين الموارد وتوطين الطاقة
قال الدكتور مفلاح إن الجزائر تتجه نحو توطين الطاقة في قلب المناطق الصناعية والمنجمية، فعلى سبيل المثال، يتم تزويد مصنع الصلب في “غارا جبيلات” بمحطة طاقة شمسية بقدرة 200 ميجاوات لضمان استمرارية الإنتاج وخفض التكاليف، هذا الربط الاستراتيجي يسمح بتحرير كميات ضخمة من الغاز الطبيعي الموجه للتصدير، مما يرفع العائدات المالية ويدعم الميزان التجاري، وفي الوقت نفسه يمنح المنتجات الجزائرية “بصمة كربونية منخفضة” تجعلها قادرة على اختراق الأسواق الدولية التي تفرض معايير بيئية صارمة.
أما بخصوص الابتكار التكنولوجي، – يضيف الخبير – فهو يعتبر جسرا نحو “الثورة الصناعية الرابعة “، حيث أطلقت الجزائر الاستراتيجية الوطنية للابتكار (2025-2035) لتشكل رؤية نوعية نحو مستقبل يقوم على الاستثمار في الإبداع والمعرفة.
كما ساهم الابتكار والتحول الرقمي في تقليص تكاليف الإنتاج، خاصة في قطاعي الطاقة والصناعة، وتشير الرؤية الاستراتيجية إلى أن الرقمنة الكاملة يمكن أن تخفض النفقات التشغيلية بشكل ملموس بحلول عام 2030، ويبرز دور الذكاء الاصطناعي في هذا المجال من خلال التنبؤ الدقيق بالطلب على الطاقة، ما يساعد على تقليل الهدر وتحسين استغلال الموارد، خصوصا في الصناعات الثقيلة.
من جهة أخرى – يقول محدثنا – تتيح الرقمنة وتكنولوجيا الجيل الخامس (5G) إمكانية التحكم السريع والدقيق في المصانع والمنشآت الطاقوية، ما يحسن الأداء ويرفع من كفاءة العمل، كما تقدم المؤسسات الناشئة الجزائرية حلولا مبتكرة وبكلفة أقل، مثل استعمال الطائرات بدون طيار لمراقبة المنشآت، وهو ما يساهم في خفض التكاليف وزيادة دقة المتابعة مقارنة بالطرق التقليدية.
الإدماج المحلي.. بناء صناعة تنافسية
وبخصوص سياسة “الإدماج المحلي” ودورها في بناء نسيج صناعي جزائري تنافسي، قال الباحث إن سياسة الإدماج المحلي حجر الزاوية لتحويل الجزائر إلى بلد مصنع للتكنولوجيا وليس مجرد مستهلك لها، موضحا أن التوجه نحو “صنع في الجزائر” يعكس رؤية شاملة تجمع بين تعزيز القدرات التكنولوجية وتحقيق التنمية الاقتصادية.
وعن نماذج الإدماج والقيمة المضافة، قال مفلاح إنها تتجسد في قطاعات استراتيجية، حيث تهدف الشراكة الصناعية بين مجمع بومار وسونلغاز إلى إنتاج اللوحات الإلكترونية المهنية محليا بنسبة إدماج تتجاوز 50 بالمائة، وطموح تصديري كبير، وفي قطاع السيارات، تستهدف الدولة رفع نسبة الإدماج إلى 40 بالمائة، مع بروز شركات محلية نجحت في رفع نسبة إدماج بطاريات السيارات إلى 90 بالمائة، وتدعم آلية “المشتري المضمون”، وذلك من خلال إلزام المؤسسات الكبرى بشراء نسبة من منتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ما يضمن تدفق السيولة والنمو المستدام للنسيج الصناعي المحلي.
في السياق، شدد الباحث على أن نجاح سياسة الإدماج المحلي لا يقتصر فقط على رفع نسب التصنيع، بل يمتد إلى خلق فرص عمل جديدة ونقل الخبرة والتكنولوجيا إلى الكفاءات الوطنية، ما يعزز تنافسية المنتوج الجزائري في السوقين المحلية والخارجية، كما اعتبر أن دعم المؤسسات الناشئة والصغيرة، يعد عاملا لبناء نسيج صناعي قوي وقادر على مواكبة التحولات الاقتصادية وتحقيق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني.
التكنولوجيا.. ركيزة التحول الطاقوي
تعتمد الجزائر – بحسب مفلاح – على مقاربة جديدة في الشراكات الدولية تقوم على نقل التكنولوجيا بدل الاكتفاء بالاستيراد، وذلك لضمان استدامة التحول الطاقوي والاقتصادي وتدعم هذه المقاربة بقانون استثمار محفز يكرس الشفافية ويبسط الإجراءات، ما يمنح المستثمرين بيئة أكثر وضوحا وسرعة في التعامل مع الإدارة العمومية، ويشجع على إقامة مشاريع طويلة المدى ذات قيمة مضافة.
في هذا الإطار، تعد ألمانيا شريكا استراتيجيا للجزائر في مجال نقل الخبرة، خاصة في الهيدروجين الأخضر والطاقات النظيفة، بينما تبرز إيطاليا كشريك محوري من خلال مشاريع الربط الكهربائي وممر الهيدروجين الجنوبي، ما يفتح آفاقا لتصدير الطاقة النظيفة نحو أوروبا، وعلى مستوى التمويل، تساهم مؤسسات دولية مثل البنك الإسلامي للتنمية في دعم مشاريع تنويع الاقتصاد، إلى جانب دور الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار التي تعمل عبر منصتها الرقمية على تسهيل جذب الاستثمارات المستدامة.
ويظل التكامل بين التحول الطاقوي والابتكار رهانا أساسيا لبناء اقتصاد وطني قوي ومستقل، ولتعزيز هذا المسار، تبرز أهمية الاستثمار في المورد البشري من خلال تكوين كفاءات وطنية متخصصة، وتحويل حاضنات الابتكار إلى فضاءات اقتصادية فعالة، إضافة إلى تعميم الرقمنة الصناعية ودمج التقنيات الحديثة لرفع الكفاءة الطاقوية، كما يعد إشراك الباحثين والخبراء في الدورة الإنتاجية خطوة ضرورية لضمان نجاح المشاريع وتحويل المعرفة إلى حلول صناعية ملموسة.
ويرى مفلاح أن التحول الطاقوي والابتكار يؤكد أن المستقبل الصناعي للجزائر يعتمد على الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة، من خلال توطين الإنتاج، والرقمنة، ودعم المؤسسات المحلية، ما يمكّن الجزائر من تعزيز الإنتاج الوطني، خفض التكاليف، ورفع تنافسية منتجاتها، كما تفتح الشراكات الدولية في نقل التكنولوجيا آفاقا جديدة لتصدير الطاقة النظيفة وبناء اقتصاد قوي ومزدهر.



