50 باحثا يتكفّلون بجمع التّراث الشّعبي في الجلفة
أكّد الباحث في التّراث الشعبي والأستاذ بجامعة الجلفة، الدكتور بن سالم المسعود، أنّ الاهتمام بالتراث الشعبي يشهد صعودا واضحا، مشيرا إلى وجود نشاطات ناجحة لإحياء هذا التراث، وأضاف أنّ كل الظروف اليوم مهيأة لجمع التراث، والمطلوب تنسيق العمل بين الأفراد والمؤسسات، مع التركيز على التوثيق والرقمنة وتمويل المشاريع لضمان حفظ التراث ونقله للأجيال القادمة، مؤكّدا أن الاهتمام بهذا المجال متزايد، ويحتاج إلى استعداد فعلي للاستثمار فيه
يرى الدكتور بن سالم أنّ علاقة المجتمع الجزائري بالتّراث الشّعبي أبعد من أن تكون فلكلورية، بالنظر إلى كونه أحد أهم روافد الهوية الوطنية وذاكرة الأمة الحية، داعيا إلى “الخروج من النظرة الفولكلورية إليه إلى التثمين الإيجابي وإعادة ضخه في حياتنا اليومية، وهذا باعتباره على علاقة وطيدة بشتى المجالات”.
وأشار محدّثنا إلى أنّ الجزائر تتميّز بتنوع واسع في الطقوس واللباس واللغة الشعبية والنمط المعماري، وأنّ هذا التعدد “يعزز الوحدة الوطنية ويفتح المجال أمام الدراسات المقارنة والبحث في نقاط التلاقي بين المناطق”، كما أوضح أن مشاريع التوثيق التراثي تتبلور تدريجيا، وقال: “نشتغل في التوثيق التراثي، وقد كانت لنا تجربة تمثلت في التواصل مع مؤسسي هذه الفعاليات، ففي مرحلة أولية عقدنا ندوة تأسيسية سنة 2022 لرصد التجارب التوثيقية للتراث المادي وغير المادي، وبعدها استمرت ندوتنا بمواضيع متخصصة مثل الرحلة والتراث المائي والشعر الشعبي، والحقيقة أنّنا خرجنا بنتائج إيجابية وتفاؤل كبير حيال هذا الموضوع، وبإمكانيات بسيطة تأسّست شبكة باحثين هواة وأكاديميين في شتى المواضيع التراثية، وحاليا شبكتنا بمنطقة الجلفة بولاياتها الثلاث تفوق خمسين باحثا من شتى الخلفيات العلمية والمهنية. وبفضلهم نظمنا أربع طبعات لندوة توثيق التراث الشعبي لمنطقة الجلفة، أثمرت عن خمسة كتب توثيقية”.
وأضاف: “ما زلنا في انتظار صدور المرسوم التنفيذي الخاص بمشروع ملحقة الجلفة للمركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، بعد أن تمّ استلام المشروع عام 2016، ليمكن تفعيل الملحقة ودعم البحث وتوثيق التراث المحلي”.
وأشار الدكتور بن سالم إلى دور الجمعيات في حماية التراث الشعبي، مستشهدا بجمعية “بيازرة للصيد بالكواسر وحماية التراث البيزري” برئاسة الدكتور كمال العيد التي “أعطت لهذا التراث بعدا بيئيا وسياحيا وربطه بالصناعة المعجمية والبيطرة الشعبية والتراث الفني والصناعات التقليدية الخاصة بعدة وعتاد الجوارح”، وكذلك جمعية “تمكين” بولاية مسعد، برئاسة الدكتور علي ميمون، التي “تمكّنت من نقل تراث النسيج التقليدي من المشافهة وخطر الاندثار إلى التثمين والفكر المقاولاتي، وإنتاج المطويات والكتب وجلب التمويل المحلي والخارجي ضمن برنامج كابدال”.
وحذّر الدكتور بن سالم من أنّ التّغيّرات التكنولوجية تهدّد الهوية الثقافية، ما يقتضي “الاستثمار في هذا الجيل الذي يجيد التحكم في التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق نتائج إيجابية”، وتطرّق أيضا إلى مساهمة التراث الشعبي في التنمية المستدامة، مستشهدا بالتراث المائي، فقال: “إذا أردنا أن نضرب مثلا عن علاقة التراث المادي بالتنمية المستدامة نستشهد بموضوع التراث المائي الذي كشفت لنا ندوة علمية حوله في ماي 2025 عن حلول مستدامة يمكن أن يقدّمها لنا الموروث الشعبي لمعضلة نقص المياه وترشيد استهلاكها، باستخدام تقنيات ووسائل تقليدية تحقق مردودا مقبولا، وتوسع دائرة الاكتفاء الذاتي، وتعزّز توجه رأس المال نحو الصناعات الكبرى والتصدير”.
وأكّد محدّثنا أن استثمار التراث الشعبي “يمكّن من النأي بالذاكرة الوطنية والهوية الثقافية عن التنظير والمناسباتية، وربطها بواقعنا اليومي، وإخراجها إلى ساحة التثمين والاعتزاز بتجلياته المادية واللامادية وعبقرية الأجداد وحلولهم المستدامة”.
وأوضح المتحدّث أنّ نجاح تحدي التوثيق والحفظ “يجب أن يكون من مهام مديريات الثقافة عبر “آلية البنك الوطني للمعطيات” المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي رقم 03-325”، واقترح “وضع نص تطبيقي لهذا المرسوم التنفيذي وهذا باستحداث دفتر شروط صارم حول كل أنواع ومجالات التراث المادي واللامادي، وأن يكون تحيينه دوريا كلما توفرت المادة التوثيقية، وأن يتوج عمل كل بنك ولائي بتقرير نصف سنوي مع ضرورة إنجاز موقع إلكتروني ليكون بمثابة قاعدة بيانات متاحة لكل الباحثين والمهتمين بالتراث المادي”.
كما شدّد على أن الجزائر تحتاج إلى مشروع وطني شامل لتوثيق التراث الشعبي يشمل “تسجيل الشهادات الشفوية، تصوير الممارسات القديمة، الحفاظ على الحرف التقليدية، إنشاء متاحف موضوعاتية، رقمنة المخزون التراثي، وإشراك الجامعات في الدراسات الميدانية”، معتبرا أن هذا المشروع كفيل بضمان ذاكرة موثقة للأجيال القادمة، وإعادة الاعتبار للتراث “كجزء من المستقبل الثقافي للبلاد”.







